الحوثيون ومن خلال ممثليهم في مؤتمر الحوار "أنصار الله"، لطالما فاضوا حماسة لفكرة الدولة الفيدرالية الثنائية المكونة من إقليمين جنوبي وشمالي، وبحدود الدولتين السابقتين، لكنهم وبمجرد نجاحهم في انقلابهم وسيطرتهم على الدولة ومؤسساتها وسلطاتها المركزية في العاصمة صنعاء، نكثوا بكل وعودهم وأفكارهم وحتى أصدقائهم وحلفائهم .
فخلال أيام فقط، بدلت جماعة الحوثي جلدها وتفكيرها وخطابها، فبعدما كانت متحمسة لفكرة الإقليمين، باعتبارها فكرة يمكنها حفظ محافظات الشمال ككتلة واحدة يسهل إخضاعها في مرحلة تالية لسطوة المركز وهيمنته، قل حماسها وفتر، نظير حكم اليمن كله بمساحته وشعبه، وبذات العقلية الاستعلائية المتخلفة، وبمنطق القوة والجبروت والغلبة والإخضاع، ودونما أدنى احترام للذات أو التاريخ السياسي، أو الشعب اليمني الذي تم استغفاله والانقلاب على دولته الحاضرة والمزمعة .
فلا للملايين اليمنية الثائرة لأجل التغيير السياسي أعطي لها اعتبار، أو أن الجماعة احترمت نفسها كجماعة سياسية لطالما قدمت نفسها وطنيا ودوليا كأقلية سلالية ومذهبية عانت من التهميش والإقصاء والجبروت، وكان جل مطلبها لا يتعدى إدارة لا مركزية وتوزيع عادل للموارد محافظة صعدة، موطن انبعاثها وشريان ذخيرتها .
وإذا كانت الجماعة قد غازلت الجنوبيين المشاركين في مؤتمر الحوار، ومن ثم نكثت بهم حين باتت بيدها مقاليد السلطة والقوة والنفوذ؛ فان الرئيس المخلوع كان مناهضا جدا لفكرة الدولة الفيدرالية، وبكل أشكالها المتعددة أو الثنائية الأقاليم .
وإذا هنالك من خلاف مع صالح حول هذه المسالة؛ فلأنه اتبع أسلوبا مخادعا ومراوغا وناكثا، في تعاطيه السياسي مع صيغة الدولة الفيدرالية، فبدلا من يعلن موقفه الرافض لفدرلة البلاد، تعامل مع مخرجات فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار بنوع من القبول الظاهري الوقتي المخاتل، بينما الحقيقة التي يدركها المقربين منه هي انه لا يطيق حتى النقاش في مسألة الفيدرالية .
وليست هذه المرة الأولى التي ينكث فيها صالح ورموزه بفكرة الدولة الاتحادية الفيدرالية، إذ سبق لصالح ورجاله أن نكثوا بوثيقة العهد والاتفاق الموقعة في 20 فبراير 94م في العاصمة الأردنية عمان، وهو الانقلاب الذي قاد البلاد إلى حرب كارثية قضت على ما بقي لليمنيين من آمال وأحلام بالسلام والوحدة والدولة الديمقراطية العادلة.
وعندما يناهض المخلوع اليوم لفكرة الدولة الاتحادية التي اقرها مؤتمر الحوار المشارك به المؤتمر الشعبي العام، التنظيم الهلامي، فذاك يعني أن الرجل لا يرى في هذه البلاد غير جغرافية شاسعة وكثافة بشرية ومقدرات يجب أن تكون جميعها خاضعة خانعة لسلطة المركز التقليدي .
وأعجب ما في تحالف الحوثيين وصالح هو أنهم وعلى اختلاف مآربهم أو خلفيات صراعهم، اتفقوا سياسيا وعسكريا، ومن اجل حكم اليمن، وبمنطق الغلبة والاستئثار والجبروت والعنجهية والنهب والسلب وسواها من وسائل البطش والتنكيل والإخضاع الممارسة تاريخيا من جهة ما أطلق عليه اليمنيين الأحرار بـ"المركز المقدس".
وبرغم هذا التفاوت الكبير بين حكم الشمال والاستئثار به من جماعة الحوثيين وبين حكم الشمال والجنوب ككيان واحد خاضع لسلطة المركز في صنعاء وفق تفكير صالح، يحسب للطرفين أنهما تحالفا سياسيا وعسكريا، ومن اجل غاية واحدة هي إسقاط الدولة الاتحادية الفيدرالية وقبل ولادتها وتشكلها .
وأكثر من ذلك، إذ أن كلاهما ومن حيث لا يعلمان، يشتركان في مزية الهيمنة التاريخية على حكم اليمنيين، فسواء كانا حكمهما جمهوريا قبليا عائليا أو ملكيا إماميا سلاليا، إلا أن الطابع العام للاثنين معا، يجعلهما يقاتلان الدولة اليمنية المستقبلية، بكونها خطرا يهدد وجودهما كقوة تقليدية قبلية طائفية استأثرت لنفسها بالسلطة والنفوذ والقوة .
واعتقد أن الفيدرالية، بما تعني من توزيع عادل للسلطة والقوة والثروة والقرار والإرادة، لا تعني للطرفين غير أنها نازعة منهما ما يعتبرانه حقا تاريخيا مكتسبا لهما ودونما سواهما من المناطق اليمنية الأخرى، وعلى هذه الثنائية غير العادلة يمكن استساغة تحالف الطرفين وكذا تضحياتهما الجسام كيما تسقط الدولة الاتحادية وكيما تبقي الهيمنة والسطوة والقرار بيد المركز وحده ودون سواه .