كان اللص صالح يبذل جهده ويسخّر إعلامه وجيوش المخبرين والملمعين ليخفي حقيقة أنه لص، وكنا نؤكد كل يوم أنه لص، لكن لم يكن يخطر ببالنا أن لصوصيته راكمت خلال سنين حكمه الثلاثة والثلاثين ثروة منهوبة تزيد عن ستين مليار دولار.
حاول- في خطابه المهزوز بالأمس- تحويل هذه الحقيقة إلى نكتة وأن من اتهمه بحيازة ستين مليار دولار هو عدوه التقليدي حميد الأحمر، بينما كان على استعداد لبيع أي شيء من أجل جمع أكبر قدر من الأموال، بيع السيادة والموانئ والأرض والشواطئ ليجمع أكبر قدر من المال ويتملك هو وعائلته من بعده كرسي الحكم، إلى أن انتهى به الأمر لبيع الجمهورية التي تغنى بها طويلاً وإن كان الثمن لا يتعدى الإنتقام ممن أجهضوا عليه حلم امتلاك الكرسي.
صفق له الحاضرون الذين كانوا موجودين معه في القاعة، وقد أفنوا هم وأشباههم أعمارهم في التصفيق، إما لأنهم ضمن شبكة اللصوص الصغار التابعة لك، أو أنهم خارج الوعي لا يدركون ما يدور حولهم، لكن من يفكون الخط ويجيدون الدخول على جوجل يعرفون جيداً أن من قرر تلك الحقيقة (أن ثروتك ستين مليار دولار) هي لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن التي اشتغلت عبر آليات دولية وعملت على جمع المعلومات لعدة أشهر وأدرجتك مع ولدك ضمن المفروض عليهم عقوبات.
وتأكيدنا على حقيقة أنك لص فذلك لا يعني أن الحوثي نزيه، بل إن جماعة الحوثيين ذاتها تحولت في ظرف قياسي إلى عصابة ضخمة من اللصوص الهوامير لا تتورع عن قتل البشر وإحراق البلد لإنجاز مهامها.. وأن تتبادل أنت والحوثيين الاتهامات فذلك لا ينفي الحقيقة بل يكرس حقيقة أنكم (الطرفين) لصوص مع فارق الفترة الزمنية التي منحتك الفرصة لسرقة عشرات المليارات من الدولارات وبناء مدن سكنية ومكنتك من امتلاك استثمارات في البر والبحر والجو لأموال اليمنيين الذي جوعتهم أكثر من ثلاثة عقود.
مزق الحوثيون صورك في السبعين وسيمزقون قميصك لاحقاً لأنك عملت معهم كقواد وفتحت لهم أبواب صنعاء من الداخل ليلة الحادي والعشرين من سبتمبر المشؤومة وسلمت لهم المعسكرات وقدمت لهم (الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي وقوات مكافحة الإرهاب ووحدات القناصة المدربة) كهدية ليقبلوك عكفياً في بلاط الإمامة الجديدة ويحققوا لك شهوة الإنتقام من خصومك الذين أزاحوك عن كرسي ظننته يوماً ملكاً خاصاً بك.
إن كنت تريد لحشدك أن يتم يمكنك الاستعانة بضحاياك الذين كان أتباعك شركاء في الزج بهم في المعتقلات، يمكنك حشد الآلاف من الذين جوعتهم وجهلتهم خلال العقود الماضية، ادع آلاف الشحاتين والمجانين من ضحاياك الذين يملأون الشوارع ليملأوا لك ساحة يسعى حلفاؤك الحوثيون لسد الطرق المؤدية إليها، وتقطيع أوصالها.
من كان يجرؤ على الإقتراب من صور صالح حين كان يعتبر نفسه نصف إله، بينما يرى اليوم صوره ممزقة ويحتسب ويحوقل وكله من أجل أن يتمكن من القفز إلى المرحلة التالية، التي يقدم فيها نفسه للخارج وكيلاً لا يزال لديه القدرة على الفعل، وأن البضاعة التي يطلبها الإقليم والعالم هي لديه وليست لدى شريكه الحوثي الذي طلع كل رصيده أنه "سرق مرتبات الموظفين وتسبب في تجويع الشعب".
هكذا يقول صالح بأنه وحزبه كانا ضحية لجماعة الحوثيين خلال الثلاث سنوات الماضية وهو الآن يخاطب الشعب بأن عليهم أن يعرفوا غريمهم أما هو ووزراؤه فلم يكونوا سوى شاهد زور وأن "كل وزير معه أربعة مشرفين".
تتسارع الخطابات، يزايدون بمواجهة العدوان، لكن حقيقة أصواتهم تقول بالواضح "يا حراجاه يا رواجاه بضاعتكم عندنا وأسعارنا أحسن من غيرنا" وبينما يحشد صالح إلى السبعين ليستعرض أنه جاد في البيع، يحشد الحوثيون إلى مداخل العاصمة صنعاء لتجميع مقاتلين تحت لافتة رفد الجبهات ليقولوا إنهم من بيدهم القرار في إبرام أي صفقة قادمة.
وبعد ثلاث سنوات من اشتراك الحليفين في إسقاط الدولة وتدمير البلد خرج الطرفان كأي عصابتي مافيا في العالم لتتبادلا الإتهامات حول من نهب الإيرادات ومن سرق رواتب الموظفين الغلابى الذين سيحتشد كثير منهم إلى السبعين وإلى ساحات الحوثيين، ليرددوا الشعارات ثم يعودون أدراجهم، حافية أقدامهم، جافة حلوقهم إلا من بقايا صرخات وهتافات.
لم يحن الوقت بعد لأن تتقاتل العصابتان ولا يزال أمامهما مساحة لتبادل الإتهامات وإلقاء التصريحات النارية في محاولة كل طرف لاستمالة الشارع وجمع أكبر قدر من الوقود لمرحلة صراع لاحقة ستختفي فيها كلمة "العدوان" وستحضر فيها مصطلحات أخرى مغمسة الدم.