كل ثانية تمر على تعز، لا تحسب بعقرب الساعة الزمنية، إنما بحرقة الأكباد، وأنين الأرواح، والألم والجراح اللذين يمزقان كل بارقة للحياة في تعز.. القتل الممنهج والحرق الممهور بدماء البسطاء والكادحين والبؤساء، هو الذي يقاس به الزمن في هذه المدينة المنهكة، التي لم تعد تنام أبداً، وتظل تسابق الوقت بأنفاس أهلها المهترئة، المنتظرة لقذيفة طائشة، وقتل يطال الحجر والبشر منذ ثلاثة أعوام.
ثلاثة أعوام وثرى تعز يتشرب الدماء المسفوكة بغير وجه حق، ثلاث سنين واليتامى والأرامل والأمهات تسقي بدموعهن مقابر ذويهن وفي كل بيت جرح وألم ونزف لن تمحيه سنين هذا الزمن القبيح.
مجازر تلو المجازر ونعوش محمولة بكل المقاسات، أطفال عجائز، شباب، نساء، رضع، وأجساد ممزقة وأشلاء متناثرة وأطراف مبتورة، ومواجع شتى، بحيث لم تعد تعز إلا مدينة الجرح العميق والدم الذي لا يجف.
واليوم،ها هي مجزرة جديدة في بير باشا إثر قذيفة غادرة، مباغتة، يمهرون العيد بلون دماء التعزيين، أضحية بدماء التعزيين المسفوكة، وأشلائهم الممزقة، بينما الصمت يخرس الجميع عن قتل تعز
كل هذا الأسى، والقتل والدماء يعانيه التعزيون، بينما كل اليمن والعالم أجمع، يسمع ويرى، إنما الكارثة الأعظم، أن لا أحد يستنكر، ولا ينادي بوقف كل هذه الهمجية والتوحش على تعز. فلماذا تصمتون على قتلنا وسفك دمائنا؟؟
ألسنا يمنيين كأنتم؟ أليست دماؤنا يمنية كأنتم؟ أليست أمهاتنا كأمهاتكم وآباؤنا كآبائكم؟ أليست أمنا اليمن هي أمكم؟ أليست أعراضنا وأموالنا وبيوتنا وحياتنا، حرام على القتل دون وجه حق، كأنتم؟ لماذا هذا التشفي والابتسامات الصفراء لكل ما يحدث لنا في تعز؟
التي تُسفك دماء أطفال، ونساء وغلابى وجوعى وعطشى لا علاقة لهم، لا بحرب، ولا سلاح، ولا ذخيرة، ولا مناصب ولا كراسي..هم مجرد تعزيين، بسطاء كادحين بؤساء، غلابى، لايحصلون على اللقمة وعلى شربة الماء إلا بشق الأنفس، باعة متجولون على باب الله، نساء بائسات هدهن الزمان من شدة الهم والقهر، أطفال لم يروا من الحياة إلا مُرها، ومن العمر إلا حنظلة، عجائز، حفر الكد أخاديده على تعرجات وجوههن، بؤساء لا تصل اللقمة لجوفهم ولا شربة الماء إلا بعد كد ومشقة وحرقة روح، كلهم بسطاء، جائعون مشردون على باب الله وليسوا أرباب حرب ولا مشعوذين ولا كهان ولا سحرة.. اتقوا الله في التعزيين وقولوا كلمة حق وكفاكم سحقاً لهذه الدماء البريئة بصمتكم المخزي والمهين..
يهتز اليمن بأكمله، ونحن معهم نتزلزل حينما تُراق قطرة دم بريئة على أرض اليمن، سواء في صنعاء أو عدن، بينما مجازر شبه يومية تتجرعها تعز، ولا وجود لمن يقول حراام عليكم مايحدث لأبرياء تعز وبسطائها.
وا أسفاه، يبدو أنه حتى في الدماء اليمنية ثمة وساطة وثمة مناطقية بغيضة وثمة إجرام لا حد له ولا مدى.. توقعنا من الحرب كل شيء، كل شيء، إنما لم نتوقع يوما أن تكون دماء التعزيين هكذا رماداً وتراباً بينما دماء الغير ماس.. رغم أنها كلها دماء يمنية غالية ومحرمة عن إله السموات، ويفترض أن تُعامل بنفس الإنسانية والآدمية والضمير.. حسبنا الله ونعم الوكيل..