حين سُئل رئيس أول حكومة أعقبت التوحد، المهندس/ حيدر أبو بكر العطاس، عن شخصية الرئيس هادي، كانت إجابته وجيزة: صدوق وثوق". وهذه ليست المرة الأولى التي سمعت فيها من يتحدث عن صدق وثقة رئيس قدره حكم البلاد وفي ظروف بالغة التعقيد، إذ كنت قد سمعتها مرات ومن شخصيات قدر لها معرفة أو موالاة الرئيس/ عبد ربه منصور هادي.
طبعاً، لم آخذ الأمر على محمل الجد، على اعتبار أن المتحدثين هنا ممن حظوا بقرارات جمهورية أو نالوا ثقة الرئيس هادي؛ لكنني وبمضي الوقت أيقنت أنهم بالفعل أصابوا كبد الحقيقة، فكلما تعقدت الوضعية وأخفقت السلطة الشرعية في معالجة كثير من القضايا والملفات المهمة والحيوية، أدركت أن السبب الرئيس كامناً في صدق وثقة الرئيس هادي.
فالرجل وعلى ما يبدو، صدوق وثوق في رجاله المقربين المحيطين به، ولحد أن تعامله مع ملفات وقضايا شائكة ومعقدة يعتمد بدرجة أساسية على ما ينقله إليه رجاله المقربين الذين يمكن تصنيفهم إلى ثلاث حلقات ضيقة ومتداخلة أحياناً مع بعضها البعض.
أهم هذه الحلقات، حلقة العائلة وقرابة الدم وأهل البلاد، ومن ثم دائرة الموالين بحكم مناصبهم كمستشارين ووزراء وساسة أحزاب وسفراء وإعلاميين وقادة عسكريين وأمنيين وتجار ومشايخ قبيلة ومذهب والقائمة هذه لا تقتصر فقط على أسماء يمنية وإنما يندرج ضمنها أسماء سعودية وإماراتية وخليجية، فيما الحلقة الثالثة تضم قائمة من الأتباع الذين التحقوا بزمرة الحاكم وفي أوقات متفاوتة وتأثير هذه الفئة يتأرجح صعوداً وهبوطاً وبناء وتطورات الأحداث.
طبعاً حلفاء الرئيس هادي الخليجيين، لم يعد لهم ذلك التأثير السابق الذي تبني فيه شركاء الميدان لعدد من القرارات الرئاسية وكذا لجملة من الملفات الحيوية، ومع كل الضغوطات التي مارسها الأشقاء على هادي خلال الفترة المنصرمة، يصعب القول إن الرئيس هادي ليس متحررا من دائرة الحلفاء، ودليلنا هنا تغيير نائب الرئيس رئيس الحكومة الأسبق خالد بحاح، ناهيك عن إقالة محافظي عدن وحضرموت وشبوة، بل وكل من لا ترضى عنه الفئة الأولى تحديداً.
الرئيس المخلوع صالح، كان يتبع ذات الأسلوب الذي يتبعه الرئيس الخلف هادي ورجاله، فالحال أن الأول كان يعين وزراء ومحافظين وسفراء، ولمجرد أن دائرته الضيقة نقلت له صورة ايجابية، ولا يهم إذا ما كانت الحقيقة مجافية تماماً.
ففي عهد الرئيس صالح كان معيار الإخلاص للحكم هو أن تدبج مقالات أو قصائد عصماء في صحيفة العميد علي الشاطر "26 سبتمبر" أو تلقي كلمة مديح وثناء في حضرة صاحب المقام العالي، أو تنافح عن نظامه الفاسد في قناة "الجزيرة" أو تعلن ردتك لمبادئ حزبك المعارض، أو تنتهك خصوصيات زملائك وأصدقائك المحسوبين مجازاً على معارضة يتهافت قادتها على صدقات وهبات الحكم، فهذه دروب تنقل صاحبها من قاع الهامش والتهميش إلى فضاء الشهرة والنفوذ والمغانم.
نعم، رأينا الرئيس هادي غارقاً حتى أرنبة أذنيه، بسبب صدقه ووثوقه بمن حواليه من المقربين والمستشارين والموظفين البيروقراطيين الذين طالما استغلوا تلك الثقة أيما استغلال، فكانت النتيجة قرارات متسرعة مرتجلة، وتعيينات لشخصيات انتهازية وفاسدة في مناصب رفيعة ومؤثرة في الدولة، وهذه المحسوبية بدورها كان لها انعكاساتها الخطيرة على السلطة الشرعية وأدائها خلال الفترة الفارطة.
واقع الحال يؤكد أن الرئيس هادي يعاني من تصرفات أتباعه ومواليه في المحافظات المفترض أنها تحت سيطرة السلطة الشرعية أكثر من معاناته من خصومه الانقلابيين الذين هم على الأقل يسيطرون على محافظات يمنية خارج سيطرة ونفوذ هادي وحكومته.
صدقاً، أقول إن هادي وثق كثيراً برجاله المقربين المؤثرين في صناعة قراره الرئاسي، فكان أن اعتمد على مسؤولين غير مؤهلين للقيام بمسؤولياتهم وفي ظرفية قاهرة يتوجب لها رجال استثنائيين، وعندما اعتمد على أناس لا يمتلكون لا كفاءة، ولا نزاهة، ولا تجربة، فبكل تأكيد النتيجة سلبية وصارخة بالفشل والإخفاق.
ختاماً، أخي الرئيس هادي، أصدقك أنني صرت لا أفهم ما تفعله بنفسك وبناء، فعلى فرضية أن رجالك المقربين استغلوا صدقك وثقتك بهم؛ فهل ستبقي أسيرا لهذه الثقة العمياء؟ وهل أدركت أن إخفاق السلطة الشرعية في المحافظات المحررة مصدره الأول اعتمادك على مسؤولين مؤهلهم الوحيد أنهم من الأقرباء ومن البلاد ومن الموالين العابثين الفاسدين؟.
أتمنى أن تتحرر من ربقة رجالك المقربين الفاسدين تحديداً، فالمهمة كبيرة واستثنائية وتستدعي منك أن تكون بحجمها، فالدولة المدنية الاتحادية يستلزمها أفعال ورجال قبل الأقوال، ولا أظن أن السلطة الشرعية بوضعها الراهن يمكن الاعتماد عليها في انجاز مشروع كبير وعظيم وتاريخي كهذا.
فالدولة الاتحادية التي تدعون إليها في كافة المناسبات والخطب الرئاسية، مازالت مجرد طموحات وآمال مكتوبة في وثيقة وطنية تاريخية، فدونما يتوافر لها إرادة سياسية قوية وشجاعة، ودونما إدارة نزيهة ترتقي لمصاف الهم الوطني التاريخي؛ أجزم أن الدولة الاتحادية ستظل عالقة وغائبة بين سلام لا يبدو انه سيتحقق ولو على المدى القريب، وبين تحرير شكلي وناقص ومتعثر نتيجة لفقدان الإرادة السياسية الحقة ونظراً لغياب التمثيل الوطني المشرف والفاعل للسلطة الشرعية.