نستغرب على الذين تثور ثائرتهم؛ لأن أحدهم ذكر أمامهم الطرف الذي يقفون في صفه، بينما لا يحركون شفة لرغيفهم المسروق ولخبزهم المنهوب منذ ما يقارب الحول الكامل.
نندهش جدًا، على الذين يغضبون على من يلوم أحد لصوص السياسة، ومن يسبحون بحمدهم، رغم بطشهم، بينما يصمتون، على حقهم في لقمة عيش أطفالهم، ويتجاهلون وهم يسمعون أنينهم، وصرخات بطونهم التي تتضور جوعًا ومرضًا وحاجة وحرمانا..
يصيبنا الذهول، ونحن نرى من يهرقون مداد أقلامهم، وحبر كلماتهم؛ من أجل صنم من أصنام الحرب، يمدحونه، ويبررون جرائمه، وينكلون بمن يعارضه، بينما لا يكتبون ربع حرف لأجل أم تُهان كرامتها بين أكوام القمامة تبحث عن كسرة خبز يابسة؛ لأفواه تنتظرها في العراء.. وشعب بأكمله، لم تعد أمعائه تزقزق من الجوع وحسب، بل صارت تعوي وتتفتت.
ولا يحزنون على أنفسهم وهم بلا قوت ولا زاد ولا دواء، وقد باعوا ما فوقهم وما تحتهم، واحنوا جباه كراماتهم؛ للسلف من الذي لا يسوى، والذي لا يسوى أيضا، وقد صارت حصيرة أرواحهم ممزقة مهترئة ولم تعد تقيهم ريح البلاط...
لا تصفقوا لساسة الحرب، بل أغضبوا على حياتكم المدمرة، ورواتبكم المسروقة، وحياتكم التي باتت والموت سواء.. اكفروا بأصنامكم، وحاصروهم بغضب بطونكم؛ كي لا يستمروا بظلمهم، ومازالوا من داخل بيوتهم الزجاجية، يرمون البؤساء بجمرات الجوع وحمم والمذلة والاستعباد..
لا تحزن لحال أصحاب القصور والفنادق، بل أرثي لحالك، واحزن لمعيشتك الضنكى وأطفالك الجوعى وديونك المتراكمة، وبيتك الفارغ، بحيث لم تعد فقط تنام بدون عشاء بل حتى بدون صبوح وغداء، لا تملك قيمة رغيف وحبة دواء.
كل ذلك تعانيه، بينما جالس تصفق وتؤيد متصارعي السلطة، الذين أحالونا لكومة كائنات ممزقة.الذين في صنعاء، والذين في فنادق الخارج، ينعمون بترف العيش الرغيد.. أنت وحدك من تجوع، من تُقتل، من تتمزق روحك في الزفرة ألف مرة.. من تموت في اللحظة ألف مرة..
حاصرهم بعواء بطنك، لا تقف معهم على المضي بتمزيقك بتشجيعك لهم.. دعهم يعرفون مدى ألمك، ومعاناتك بسببهم، اترك التطبيل في زفة كلها نحيب ومآسي وطبول تنعق بما ليس في واقعها من أنين..
أما أصحاب الأقلام الكتاب والصحفيين، والمثقفين، والاحزاب، أقول لهم، انتم أيضا مواطنون، بلا رواتب منذ عام، فما بالكم تجاهلتم آلامكم، وأصبحتم أبواقًا لمن جوعوكم، وتركتم من يُفترض أن تكونوا لسان حالهم، تكتبون عن معاناتهم وجراحهم؟ بل انسقتهم وراء من ظلمكم، وصرتم فقط تروجون لقبحهم وأتباعا لجلابيبهم.. وتفرغتم للمهاترات والشتائم فيما بينكم، ليس غضبا على حالكم، بل تأييدا لمن تتبعونهم، في حين أنهم حين ينتهون من خدماتكم ومن استغلالكم، سيرمونكم لأقرب أخدود.. لا تصدوقونهم، وأنصفوا بحرفكم وبمواقفكم شعب بائس، أنهكته المواجع والمقاهر، والظلم والجوع الرجيم. فهنا تكون الوطنية والإنسانية بأبهى صورها.