تمر على اليمنيين ذكرى ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين لتعيد إلى أذهانهم قيم الحرية والعدالة والمساواة التي تجذرت فيهما، في حين ان الانقلابيين يحتفون بمناسباتهم الطائفية الخاصة، ويجبرون اليمنيين الرازحين تحت نيّر سيطرتهم على دعم تلك الاحتفالات، فذكرى مقتل الإمام زيد بن علي حاضرة في قنواتهم وفعالياتهم بالتزامن مع ذكرى اليمنيين بيوم التحرر من المستعمر البريطاني، وقبلها بأسابيع كان اليمنيون على موعد مع السادس والعشرين من سبتمبر بينما أولاد يحيى الرسّي يحيون ذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه في طقوسهم المعلنة والسرية .
إن الأرضية التي ينطلق الانقلابيون منها في مناسباتهم تختلف عن أرضية اليمنيين.. في مؤشر يحمل دلالات واضحة بحق حقيقتهم التي تحمل ملامح شخصيتهم المستهدفة لهوية اليمنيين .
إن الإرث الثقافي الثقيل الذي أنتجته معامل السلالة وقولبت عقول اليمنيين على التعاطي معه من خلال كتابة التاريخ في جوِّ من الهيمنة السياسية لأدعياء الحق الإلهي قد أودى بالحياد في مهب رياح الأحقاد السلالية على حقبة من الزمن كانت باعتبار الأدعياء نقطة سوداء في التاريخ اليمني لا لشيء إلا لانعتاق اليمنيين من سطوة حكمهم المهين، ونتيجة لذلك فقد أُنتج تاريخ مشوّه تشوهت على إثره عقول اليمنيين لتصبح عندهم المسلّمات الدينية خادمة للشهوة السلالية في الحكم رغم أنها أحوج ما تكون للنقاش في إطار العقل والمنطق ووفقا لمقاصد الشريعة وطبيعتها الرافضة للتمييز والعنصرية والظلم الذي تفنن السلاليون في تزيين ألوانه على مدى النكبة الهادوية التي رُزي بها اليمنيون .
ما يهمُّ اليمنيين ويرتبط بواقعهم، ويؤسس لفتح آفاق مستقبلهم يتمثل في إحياء القيم السبتمبرية الأكتوبرية المنبجسة عن نبض الشعب وإرادته… ذلك أن الثورتين قامتا على أسس قيمة حضارية تتبنى المصلحة العليا للشعب في جوانبها السياسية بتسليم السلطة له، وفي جوانبها الاقتصادية لتوفر له الرخاء والعيش الكريم، وفي جوانبها المتعددة لتنتقي للشعب أحسن ما فيها… بخلاف ثورتي الحسين وحفيده زيد رضي الله عنهما والتي اندرجت في إطار الصراع السياسي مع بني أمية على أرضية من ادّعاء الأفضلية في الدين أو النسب لأهداف متعددة لا تخلو من القيم كما أنها قد لا تخلو من المصلحة الشخصية المترسخة في الطبيعة البشرية، وإحياء هاتين المناسبتين لا يعني أكثر من إحياء جذوة الصراع والتضحية في سبيل إيصال هذا الرجل أو ذاك إلى الحكم بعيدا عن القيم الحضارية التي تحترم إرادة الشعوب وتراعي اختياراتها .
إن دعوة الداعي إلى بيعته والتأصيل لصوابيتها بصلاحه أو نسبه… هو عين الظلم، فالثورات المبنية على أسس قيمية تعتمد المبادئ أساساً لانطلاق شرارتها دون تحديد المراد تنصيبه للحكم… كون ذلك حقاً للأمة لا يجوز الافتئات عليه… وذاك ما تميزت به ثورتا سبتمبر وأكتوبر الخالدين لتتربعا صدارة المناسبات لكل يمني يتوق إلى ترسيخ مضامين أهدافهما الكفيلة بالانتقال باليمنيين إلى ذروة المجد المجني عليه من قِبل الأدعياء السلاليين .
إن إجبار اليمنيين على الاحتفاء والدعم لمناسبات طائفية لا تعبر عن نبضهم، ولا عن طبيعتهم يُعدّ اعتداء صارخا يضاف إلى سِفر الاعتداءات المألوفة من سلالة طالما تلمظت بدماء اليمنيين، واستمرأت السلب لإنسانيتهم وكافة حقوقهم .