واقعنا اليوم في عدن بؤس وألم وتشاؤم، معاناة تجاوزت الحد المقبول، ومقدور عليها، لن تبيدنا من الوجود، نحن جيل تحمل الصعاب والجوع والأزمات والصراعات والحروب، هي حرب لعينة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كأنها لعنة أصابتنا، لأنها حرب استهدفت الإنسان، ولازالت تستهدفه، استهدفته في وعيه، فكرا وثقافة وقيم ومبادئ، استهداف البنية الاجتماعية هو استهداف للمجتمع والوطن وقضاياه المصيرية.
اليوم التعصب في أوجه، والشرخ الاجتماعي والوطني يتوسع، والوعي ينهار، والمنطق غائب والحق مصادر.
بعضهم يعتقد أنه في معركة اجتثاث مع الآخر، وأن مشروعه لن ينجح دون اجتثاث أو إخضاع أو فرض أمر واقع على الأخر، هذا المنطق رسخ ثقافة رفض الاختلاف والتنوع والشراكة، ويرسخ سلطة الفكر الواحد واللون الواحد، هذا هو التعصب الذي يحقن به المجتمع اليوم.
من حقك أن يكون لك مشروع وفكر ورؤية، ومن حق شركائك في هذا الوطن أن يكونون أحراراً في اختياراتهم أيضا.
هذا الاختلاف والتنوع جميل، يرسم لوحة زاهية بلون الطيف السياسي والفكري إذا حكمه الوعي وينظم علاقاته النظام والقانون، لنخضع للديمقراطية في اختلافاتنا وللقانون في حسم أمورنا.
شعرت بارتياح شديد للشفافية في تناول الخروقات والاختلال وكشف قضايا الفساد، ولكنني صدمت في طريقة تناولها واستخدامها، البعض يأخذ مما يطرح من كلام ما يتناسب وقناعاته ويبدأ يبروزها ليلمع صورته ويقبح الآخرين، يبتر الحقيقة ويفرغ المعنى، في بروباجندا إعلامية خبيثة وقذرة، تخلط الأوراق وتتوه الناس عن الحقيقة، بعيدا عن الوقوف المتساوي من جميع الأطراف للبحث عن الحقيقة الدامغة، لكشف كل الفاسدين وقضايا الفساد والمتلاعبين، والمعرقلين ونحدد موقف ثابت منهم ليقول الشعب كلمته الفصل، العدل يتطلب كشف حساب من الجميع دون استثناء، واستلام وتسليم براءة للذمة.
عدن اليوم والجنوب، تعيش في زوبعة من التعصب والاتهام والمناكفة والحشد والتحريض، والصراخ وتأجيج الصراعات والنكاية بالآخر، شغل أطفال لا شغل سياسة.. الناس تبحث عن ما يخفف عنهم معاناتهم، ويقربهم من بعض لتتكاثف الجهود في بناء وطن والتحول المنشود والمستقبل الموعود.
ما هو حادث كيانات تختار بعناية ما نختلف عنه ليكون برنامجها برنامج وصاية، يقررون فيها مستقبل وطن وأمة في قضايا مصيرية دون إرادة الغالبية المتعارف عليها بصندوق انتخاب يحدد بدقة هذه الإرادة، وخطاب حشد وتحشيد واستفزاز وتحدي وفرض أمر واقع بلغة التلويح بالقوة.
في هذه الأرض نحن شركاء ولسنا أعداء، من يرى شركاءه أعداء هو رأس المشكلة، جميعنا نتطلع للعدل للمساواة للحرية للمواطنة، لدولة النظام والقانون، مسار طريقه محدد المعالم وقيمه ومبادئه معروفة،يريد الناس يشعرون أنهم يسيرون في خطى ذلك، نحتاج لمستوى وعي مجتمعي لبلوغه ونخب تصنع وترسخ مثل هذا الوعي بعيدا، أن لا تكون جزءا من رداءة الواقع،وعي أساسه الاعتراف بالأخر ومبدأ التعايش والحفاظ على التنوع الفكري والطيف السياسي، وللأسف ما يحدث اليوم أن الجميع ينجر خلف الترهات والمهاترات، وصاروا جزءا من المشكلة وغاب الحل، ومن يحاول يجتهد لوقف هذا الانهيار قالوا عنه يغرد خارج السرب، متهم من الجميع، التعصب يستخف بالحياد والجهل يستخف بالوعي والباطل يستخف بالحق، وعدن والجنوب يعاني والمواطن ضحية، لان الحقائق غائبة والعقاب والثواب معدوم والقضاء والنيابة مكبلة، ولا تجد غير الصراخ والعويل والحشد والتحريض، غاب الوعي وسقط الإنسان وينهار وطن.