عندما يخلي الكل مسئوليته، ليبحث عن الدولة كقولهم (أين الدولة ؟)، الدولة الضائعة التي نبحث عنها وقت الحاجة، ولا نمد لها أيدينا لترتقي لمستوى طموحاتنا وأمالنا وأحلامنا ، العالم الأخر ارتقى عندما وجد الدولة وتحمل مسئوليته أمامها ، والتزم بشروطها ونظامها وقانونها ، صار يحتكم لهما ، فمتى أذا يهدينا الله ونهتدي للدولة التي نرتقي بها وترتقي بنا .
كم هي الفرص الضائعة التي فوتناها، ولم نستغلها لنؤسس لدولة، بمسميات عدة مدنية علمانية دينية، قد نختلف على التسميات ونتفق على جوهر مشترك للدولة الضامنة للحريات والمواطنة والعدالة، تلبي قناعات الطامحين للعدالة والمساواة والتعايش والتنوع، ويرفضها المستبد والمتعصب والطائفي والمناطقي، كل من يريد أن يتميز بعرقه وسلالته ويتسلط بنفوذه.
عندما تبرز الدولة كنظام وقانون ومؤسسات، تتهاوى أصنام الزعامات والقيادة، لنفرض كيان الدولة الكفيلة بمحاربة الإرهاب والفساد وكل الظواهر السلبية العالقة في جسد الوطن بسبب تلك الأصنام والأطماع من استبداد وظلم وتعسف واضطهاد، نحن من نصنع طغاتنا ونغيب الدولة بتصرفات فردية أو جماعية والنتيجة فشل وتأكل وصراعات وشتات وشروخ اجتماعية ووطنية، يتغلغل من خلالها الفساد والإرهاب بكل صورهما .
هذا هو واقعنا المخزي، الكل يريد أن يفرض كيانه كبديل للدولة، فيغيب الدولة ويعيقها ويرمي فشله عليها ثم يقرر أن يحاسبها في مفارقة غريبة، وفي نفس الوقت يقدم نفسه وصيا على الوطن ومصيره ومستقبلة ومحاربة ظواهره السلبية، ويرتكب خطاء جسيم في وضع نفسه كيان يفرض قوانينه وقناعاته بنزق واستفزاز للأخر ليصنع تصادم وصراعات تختفي الدولة خلف غباره .
غياب الدولة في عدن غيب النظام والقانون، فاحترقت قلوبنا بالهموم، ونهر الدم الذي لازال يتدفق، والأرواح التي لازالت تزهق، في قتال عبثي بين الإخوة في سيناريوهات تخفي في طياتها الكثير، المستفيدين هم أعداء الدولة، هم صناع الفوضى والبيئة الصالحه لتنامي واحتضان الفساد والإرهاب معا .
كيف لإنسان طبيعي واعي كامل الأهلية يبتهل بموت الأخر، ليعيش هو متسلطا، ويفكر أن ينتصر على شركائه في الوطن، هذا التفكير بحد ذاته مهزوم الفكر والنهج، لا يؤدي سوى لهزيمة وطن ومشروعه .
حلمنا في التحرر والاستقلال حلما قديم يداعب مشاعرنا ولكنه منضبط بعقولنا، ترسمه أحلامنا وطموحاتنا العقلانية، لن نقبل أن نكون ضحية أوهام ودغدغت مشاعر واستغلال أوجاعنا وآلامنا، لنقتل بعض ونستمتع في حياة تقهر أخنا وتظلمه في فكره وطموحة وأماله وحياته المنشودة .
محاربة الفساد بمكيال القانون والنظام ومؤسسات الدولة العقابية والجزائية والنيابة والقضاء، الكل غير محصن من المحاسبة والاستجواب وتقديم براءة ذمة، كلهم بما فيهم من كانوا في السلطة ولم يقدمون كشف حساب واستلام وتسليم لازلت ذمتهم غير بريئة.
ومحاربة الإرهاب بتنوير ثقافي وفكري بالتوازي مع الحملات العسكرية، مسئولية بناء الإنسان تربويا وتعليميا، قبل أن نحكم علية بالموت وهو ضحية أفكار وثقافة وشحن مجتمع، لازالت أدواته تعمل وتنتج وتفرخ لنا متطرفين وغلوا، البنية الأساسية للإرهاب، فعلينا بالدولة ومؤسساتها التعليمية والفكرية والثقافية والإعلامية ومنابر الدعوة والتثقيف والفن والرياضة .
القتل والعنف يؤدي لقتل وعنف مضاد ما لم تعالج النفوس روحيا والعقول فكريا وثقافيا، الأرواح التي أزهقت والدماء التي تهدر ومسلسل الموت الذي لازال مخططه يحاك بين أبناء الوطن والأرض الواحد، هي فتنه تخدم قوى الإرهاب والفساد معا، وتصنع البيئة الحاضنة لهما، وها هو الإرهاب يضرب ضربته الموجعة التي قصمت ظهر الوطن، حينها ندرك أهمية توحدنا وتآزرنا .
لن نسعد بوطن دون توافق وشراكة، ونظام وقانون يحكم العلاقات وينظم الإرادات ويضمن للجميع الحقوق والواجبات، ويحاسب ويعاقب المذنب ويكرم الصالح وطن يستوعبنا جميعا أطياف سياسية وفكرية واجتماعية فيه التنوع ينتصر للجميع .