البخيل لا يجاري الكريم، بل ويهرب بعيداً عن ميادينه، والحمار لا يسابق الخيل ولا يشارك في مضماره، لكن العبيد يتظاهرون بمجاراة الأحرار، بل ويدعون سبقهم، وينسبون عظيم المواقف لهم، وكثيرا ما يذهبون إلى إنكار أدوار الأحرار ويدعونها لأنفسهم !..
يبقى الأحرار أبداً في مربع الفعل، ينتقلون من هدف إلى هدف ومن عمل إلى آخر، غير مبالين بادعاءات العبيد أو ما يثيرونه من غبار أو ضجيج.. قد يخفق الحر وقد يتعثر، وقد تواجهه المشاق والصعاب الكبيرة والكثيرة، لكنه لا ينحني إلا انحناءة الشامخ، الذي ينحني انحناءة خفيفة ريثما تمر العاصفة، التي لا ينبطح لها ولا يبدل أو يغير قناعاته بسبب منها.
قد ينحني العملاق انحناءة يتحاشى بها عاصفة هوجاء، يفكر معها بخيارات أخرى متعددة بين يديه؛ ليختار إحداها ويقوم بمهامه منها، إذ الحر لا تحصره قيود العبودية ولا يهرب إلى عنتريات القول، و( فشرة) الإعلام، وتهريج الشلة، وإنما يغشى الميادين، ويجترح الأفعال، فمعاركه واضحة ومواجهاته مهدفة، ويتغاضى عن عبث العبيد الذين قد يتواجدون في محيطه أو مربعه.
أولئك العبيد يتنقلون أيضا؛ ولكن من موقع عبودية إلى عبودية أسوأ، ومن سوق نخاسة بائرة إلى سوق نخاسة أكثر خيبة وكسادا، فإن وجدوا من يسوقهم تملقوه وتمسحوا بعتباته وعند أقدامه، وإن لم يجدوا من يسوقهم، ابتذلوا نفوسهم وسوقوا أنفسهم بأنفسهم، ومع أن بداهة القول الشعبي قد رسخت قاعدة تقول: كل معروض بائر! ألا أنهم يعرضون عن هذه القواعد سها وطمعا، وربما راحوا يتمنون أن يتحقق معهم قول القائل :
لكل ساقطة في الكون لاقطة
وكل كاسدة يوما لها سوق
طموح الأحرار تحقيق الغايات وبلوغ الأهداف ولو بذلوا دونها الغوالي، وهي إن لم تتحقق اليوم فغدا أو بعد غد (وما بدلوا تبديلا).
وطموح العبيد أن يجد من يلتقطه في سوق النخاسة، فإن لم يجد من يلتقطه، نادى على نفسه:
ألا موت يباع فأشتريه
فهذا العيش ما لا خير فيه