30 نوفمبر في ذكراها الخمسين برحيل آخر جندي بريطاني محتل من أرض الجنوب اليمني، تحررت الأرض من نجس 129 عام من الاستعمار،لنتحرر من الاستعباد والإقطاع من سلطنات ومشيخات، لنعلن جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، دولة مستقلة ذات سيادة، فهل تحررنا من آثار ومخلفات تلك الحقبة؟
خمسون عاما كلما ظننا أننا تحررنا، وأننا توحدنا في كيان جمهوري، لننتقل للبناء والإعمار، نجد أنفسنا قابعين في نفس الحقبة، وأن اختلفت أدواتها ومسبباتها وصراعاتها، جيلا يتوارث جيل بتراكماته وثارات وأحقاد وضغائن، مثقلين بالهم والغم، والفتنة تتغلغل فينا ونتآكل من الداخل، ننتقل من محطة عنف لمحطة أعنف وأشد ضراوة من سابقتها، مسلسل من الدم والتراكمات والدمار، لازلنا في غياهب الجنون، للأسف لم نكن جديرين بوطن وحلم.
ما نحن فيه لا معنى له غير أننا لم نصل بعد لمستوى من الوعي لندرك أهمية الحرية في الحياة لنرتقي بالمجتمع ثم الوطن لنعيش كسائر الأمم الإنسانية لنكون جديرين بالاحترام، لا جديرين بالشفقة، لا نستوعب ونستلهم العبر.
الوعي في إدراك أن لكل منا مشروعه وفكره ورؤاه، وان الوطن يستوعبنا جميعا، بنظام وقانون ينظم العلاقات وإيقاع الحياة، المشكلة تكمن فيمن يعتبر مشروعة ثابت وطني من يخرج عنه خان وتآمر، يبدأ الحشد والتحريض، والتصنيف والاتهام والتكفير، في غمرة فوضى عارمة، تتخللها توجيه المجتمع، العاطفيين والغاضبين منهم والجهلة والمتخلفون، توجيها مستهدفا لأطراف ضد أطراف، بحشد وتحريض يستهدف المجتمع وبناه السياسية والثقافية والفكرية، تنوعه وتعدده السياسي والثقافي والفكري، ليصبغ بلون واحد وفكر سائد.
ما حدث منذ خمسين عاما، فينا من هاجر وحرم من أرضه وماله، وفينا من قيدت حريته وعاش ذليلا مهان، وفينا من ساير المرحلة وركب الموجه تنقل معها من منعطف لآخر، تفننا في التصنيفات لبعض البعض، ولم نتقن التوافق وقبول التنوع والاختلاف، الحمد لله أن وجدنا من اعترف بخطيئته واعتذر، اعتذارا شفويا، لم يطبب النفوس ولم يرض الضحايا، ولم يعالج الآثار، بل استمرت الحكاية لمزيد من التراكمات ومسلسل القتل الى يومنا هذا.
ما يحدث اليوم، من قتل ودماء تسفك على الطرقات، الكل مسئول عنه، كل من يحرض ويحشد لمزيد من الصراع والموت للأخر، كل من يتهم ويكفر أخاه في الوطن،كل من يستدعي الماضي وثاراته وأحقاده، ويرفض القبول والتعايش مع المختلف والتنوع، كلنا مستهدفون وأولنا الوطن وعقوله النيرة ونفوسة الخيرة.
كم حذرنا من مغبة هذه التصرفات، لكن البعض امتهنها، وتفنن بها، حتى صار مروج للقتل والانتهاك واستباحت الدماء بمسميات عدة، وأعذار قبيحة، عدن اليوم ضحيته وضحية أمثالهم،مهددون ومهدد السلم الأهلي والاجتماعي و الحياة في عدن.
ما يحدث اليوم خطورته في مدى عمقه للمستقبل، في الأثر في الإنسان و الحياة، في الشروخ الوطنية والاجتماعية والإنسانية،في صعوبة المعالجة.
ما يحدث اليوم من سقوط وانهيار لا يريح غير مريض، من يزهو بالانفلات الأمني والفراغ المؤسسي القائم، والاغتيالات والقتل في الشارع العام والتفجيرات والمفخخات والرصاص الطائش، وطيش وتهور المليشيات، في غياب وإعاقة متعمدة للدولة الضامنة للحريات والمواطنة، وأدوات الضبط والربط والمحاسبة والقضاء والنيابة والاستخبارات، في امن وجيش وطني، مؤسسات دولة، تستبدل بتشكيلات ومليشيات لا تخدم غير أفراد وجماعات ومشاريع صغيرة في مواجهة المشروع الوطني.
خمسون عاما كلما أسسنا لبنى دولة، كسرناها وحطمنا كل ما بني بسنوات بأيام وليالي طيش وتهور وعنجهية، ما أمسنا اليوم لتقييم علمي ونقد ذاتي لأنفسنا أولا، وتجاربنا التي نكررها بغباء، وماسينا وصراعاتنا التي امتهناها، صارت ثقافة وسلوك متأصل لدى بعضنا، وأسلوب حياة.
متى سنتعلم من الدروس ونستلهم العبر؟، في أي عام سيأتي نوفمبر ونحتفل بتحررنا من التخلف والجهل والعصبية والمرض ؟ ونتجاوز كل صراعاتنا وخصوماتنا الفاجرة لنبني وطن ونصون مصير امة.
ما نحتاجه جيل جدير بتحمل المسئولية الوطنية، جيل متجاوز لماضيه بكل علله ومآسيه، قوي وشجاع في مواجهة الحقيقة والاستحقاق لمشروعنا الوطني الكبير، دون الهروب لمشاريع صغيرة بأعذار قبيحة، جيل صلب و وطني غيور على هويته اليمنية وعروبته وإسلامه، في اعتقادي أن الزمن كفيل بذلك حيث لا يصح إلا الصحيح، وينتصر الحق