;
حسن عبد الوارث
حسن عبد الوارث

بعيداً عن الرثاء 1458

2017-12-13 18:51:28

لماذا تبكي شعوبٌ حُكَّامها حين يرحلون، فيما تُهلِّل شعوبٌ أخرى فرحاً لرحيل حُكَّامها؟
بكى المصريون جمال عبدالناصر، في مشهد يستحق صفة التاريخي عن جدارة، وهو مشهد لن يغيب عن الذاكرة الإنسانية أبد الدهر. وأظن أهلنا في عُمان سيجهشون بالبكاء المرير يوم رحيل سلطانهم، لأنه أخرجهم من بوتقة الهوان إلى رحاب العزَّة. وانتحب أهل الإمارات الشيخ زايد بن سلطان للسبب القابوسي ذاته. وبكى عديدون من شعب الرافدين صدام حسين، ولو في وقت متأخر، بعد أن أدركوا يقيناً أن رحيله كان في الأساس رحيلاً موجعاً لجملة من الظواهر والمظاهر والحاجات المادية والروحية التي لم يكونوا يعتقدون أنها عزيزة عليهم إلى درجة القداسة، وفي مقدمتها غياب الدولة بكل معنى الكلمة.. فيما كانت نهاية معمر القذافي أمنية الغالب الأعظم من سواد الشعب الليبي وغيرهم من العرب، برغم أن بشاعة هذه النهاية قد أزعجت مشاعر الكثيرين، غير أن الأسباب تقود إلى نتائج تُوائمها بالضرورة، أكان في مضمار الطبيعة أو على صعيد السياسة على السواء.
والأمر غير مقصور على العرب فقط، فكل شعوب العالم تشهد هذه المشاعر وتعرف تلك المواقف. فالأندونيسيون -مثالاً- هلَّلوا طرباً لسقوط محمد سوهارتو.. أما الهنود فانتحبوا -حتى كاد بعضهم ينتحر- يوم وفاة المهاتما غاندي.. فيما رقص الرومانيون في شوارع بوخارست وملاهيها سروراً بالقضاء على نيكولاي تشاوتشيسكو، برغم بشاعة مشهد إعدامه مع زوجته، وهو المشهد المُقزِّز الذي تناقلته شاشات العالم كل. وبالطبع لا يُقاس هذا الشعور الطبيعي أو الموقف الإنساني في حالة مثل وفاة الديكتاتور الكوري كيم ايل سونج وخَلَفه (نجله كيم جونج ايل) ففي الحالة الكورية يغدو النحيب المتشنِّج على الزعيم -الأسطورة والضرورة جزءاً حميماً من منظومة الواجب القومي المقدس، ويُعدّ الإخلال بوتيرته ضرباً من الخيانة العظمى التي تستوجب إنزال عقوبة الإعدام بمقترفها!
تواترت هذه الخواطر إلى ذهني إثر التداعيات العاطفية التي أنتجها مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وما استتبع ذلك الحدث من مشاعر شتى زادت من حِدَّتها بشاعة القتلة وسرعة المآل وفداحة الموقف، برغم أن الكثيرين -وكاتب هذه السطور أحدهم- كان يتوقَّع نهاية مأساوية للرجل، لاسيما بعد ما أقدم عليه في 21 سبتمبر 2014 من انقلاب غاشم على كل المعاني والمفاهيم والدلالات التي ظل يتشدَّق بها طوال عمره السياسي وفي المقدمة منها الثورة والوحدة والجمهورية.
لقد تنافرت مشاعر الناس وتضاربت مواقفهم تجاه هذا الحدث الجلل، بين من بكى بحرقة شديدة، ومن أطلق زفرة ارتياح جم، فيما ظل الأغلب الأعظم أسير المفاجأة الصادمة الداهمة التي ألجمت مشاعره وشلَّت أحاسيسه حتى هذه اللحظة والى أمد غير قريب! .. فالحق أن الرجل كان مالىء الدنيا وشاغل الناس في هذه البلاد لقرابة أربعة عقود، خلال رئاسته وبعدها، وحتى آخر لحظة في حياته. قاد حروباً على كل جهات البلد وأهلها، ونظَّم اصطفافات وتحالفات كانت تتغير بسرعة دراماتيكية مذهلة، واكتسب صداقات وعداوات لطالما تبدَّلت واتخذت كلٌّ منها مواقع الأخرى.. غير أن أجيالاً بأكملها لم تكن تعرف "أباً" سياسياً غيره، وهي لم تتصور قط أنها ستعدم رؤيته أو سماعه ذات يوم!
إن من بكى مقتل عفاش هم مريدوه وخصومه على السواء..
ومن هلَّل لمقتله هم مريدوه وخصومه على السواء..
كيف يمكن أن تختلط المشاعر وتتناقض إلى هذا الحدّ تجاه مقتل الرجل؟
يبدو لي هذا السؤال في غير محله، إذا كان مُتَّصلاً بشخص علي عبدالله صالح بالذات، أي بالشخص الذي نعاه خصومه ورثاه أعداؤه، بل ووصفوه بالشهيد والبطل!
ثم هل كانت هذه النهاية تليق بعلي عبدالله صالح؟
أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال بالذات ليست متوافرة لدى أحد حتى هذه اللحظة.. ولعلَّ التاريخ وحده يملكها، وبالتالي يتمكَّن من قولها في قادم الأيام.
وحتى تلك اللحظة، لا نملك إلا أن نقول: رحمة الله تغشاك يا علي عبدالله صالح.. وإنا لله وإنا إليه راجعون
نقلاً عن "يمن مونيتور"

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد