النكف هو ذلك الاستنفار البدائي المحرض على الآخر، أو المتباكي المعتمد على النعرات العصبية أو العرقية أو القبلية على طريقة استنكاف قريش : اللطيمة اللطيمة!
وذكر قريش هنا ليس لأنها من ابتدأته أو أنه خاص بها، وإنما لشهرة فعلها ذلك يوم أن راحت تستنفر وتحرض عشائر قريش قبل غزوة بدر ضد المسلمين، حين أقبل ضمضم الغفاري عليهم فشق أنف بعيره وعكس رحله وقام يكشف عن سوءته و يصرخ، و كل ذلك (نكف) يستثير ويستفز ويحرض، فما يراه من أحد على تلك الحال إلا أخذته العزة بالإثم، واندفع تعصبا وحمية جاهلية!
إن النكف كان عادة جاهلية متأصلة في ثقافة المجتمع العربي قبل الإسلام.
ومليشيات الحوثي تشربت تلك الثقافة البدائية المتخلفة التي تسللت إلى العقليات القبلية والعصبوية والسلالية، واستغلتها ووظفتها أبشع توظيف لخدمة مآربها الشيطانية. وقد تكرر منها مرارا الدعوة إلى (النكف)، بل هي اليوم - بعد هزائمها المتلاحقة - تنشر أكابر مجرميها في المناطق القبلية ينفخون في كير داعي النكف المتخلف، لا يهمها في ذلك أن تحرض اليمنيين ضد بعضهم أو أن تضرب بعضهم ببعض! بل إن هذه هي سياستها ورثتها أبا عن جد منذ قدوم الهادي الرسي إلى اليمن، الذي أدخل مناطق اليمن في حروب مستمرة طيلة تسلطه حتى إذا ما هلك تولى بنوه سياسته، وما كانت اليمن تستقر وتعيش بسلام إلا حين تنتهي دويلاتهم وتغيب عن المشهد، وقد كانت في غياب مستمر، وتطفو إلى السطح بين زمن وزمن مكتفية بتسجيل حضورها في قرية نائية أو منطقة بعيدة فترة من الوقت؛ لتختفي من جديد.
وأمام تلك العقلية الكهنوتية العصبوية والمحرضة على العصبية يأتي دور الوعي المستنير بهدي النبي الكريم(دعوها فإنها منتنة) ويأتي مع هذا الوعي ثقافة المدنية والتمدن التي كنست تلك الثقافة العصبوية الجهوية و السلالية و القبلية السيئة.
إنه وإزاء ذلك النكف المتخلف؛ لا بد من (نكف) مدني مصطف؛ يكسر أوهام التخلف، وحواجز التعصب للعشيرة أو القرية أو العرق أو الطائفة، نكف مدني يكتسح كل الأوهام السلالية والجهوية والمناطقية التي سقط تحت براثنها - حتى - بعض مثقفي اللسان!
أستطيع القول إن ثورة فبراير قدمت أنموذجا متطورا ومتقدما في ( النكف) المدني يوم أن امتلأت ساحات الحرية وميادين التغيير باصطفاف مدني سلمي فريد في كمه و كيفه، وزاد تميزا برجال و شباب المناطق القبلية و الريف بشكل عام الذي ترك السلاح جانبا وقصد الساحات يهتف وينشد للمدينة والتمدن بالسلمية.
فلنمدن (النكف) بدعوة اليمنيين جميعا من أقصى اليمن إلى أقصاه بأن يصطف بحزم وعزم لبناء دولة النظام والقانون والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد، وإلحاق الهزيمة بالمشاريع السلالية والجهوية المتخلفة.
فهيا نمدن (النكف) ونحل الأنقى محل الأسوأ، والسلام محل الحرب، والنور بدلا من الظلام، والحرية بدلا من الاستعباد؛ ولكي تمضي عجلة التطور نحو الأمام و منع الكهنوت من أن يعيدها إلى الخلف.
لقد آن أن نصطف لهدف واحد يسعنا جميعا و هو إسقاط الكهنوت وبناء الدولة اليمنية الاتحادية.