الحكومة التي يكون ردها على تظاهرة احتجاجية بتظاهرة مؤيدة مدفوع عليها من خزينة الدولة، هي حكومة فاشلة وبكل المقاييس السياسية والإدارية والديمقراطية.
وعندما نقول إنها فاشلة فذاك ما أثبته التاريخ السياسي الحديث الزاخر بكثير من النماذج الحكومية الفاشلة التي يحسب لها مواجهة تظاهرات مناوئة إما بالقمع والجبروت والبطش وإما بتسيير تظاهرات موالية للحكومات.
الحكومات الوطنية والديمقراطية تواجه صخب وانتفاضة الشارع بشيء من الحنكة والذكاء، فمعرفة المشكلة يعد في صميم مهمة الحكومات الديمقراطية، وإذا ما عرفت المشكلة فبكل تأكيد يتبعها اتخاذ إجراءات كفيلة بمعالجة المشكلة.
فوظيفة أي حكومة تحترم ذاتها ليس طبع صور الحاكم واستنفار قوات الجيش والأمن وتحشيد الإعلام والموظفين وطلاب المدارس والجامعات إلى ساحات الاحتفالات، وإنما وظيفتها الأساس تحتم عليها استشعار مسؤوليتها وواجبها، بحيث يكون فعلها متسقا ومنسجما مع روح الوظيفة والمنصب.
تظاهرات طهران ومدن إيرانية، ذكرتني باحتجاجات ثورات الربيع العربي، فبدلاً من استجابة السلطة في إيران لتلك المطالب المرفوعة المتمثلة برفض الفساد وتدخلات نظام بلادهم في لبنان وسوريا واليمن والعراق، ومعالجة التضخم والبطالة؛ لجأت السلطة إلى إطلاﻕ الاتهامات بحق المحتجين، وبإطلاق العنان لأجهزة القمع كي تقتل وتعتقل وترهب.
الرئيس حسن روحاني، لا يبدو أنه تعلم من دروس جيرانه الحكام العرب، فبرغم أن رئاسته الثانية استمدها من فوزه بانتخابات مايو المنصرم وبواقع ٢٤ مليون صوت، إلا أنه ظهر مهددا شعبه الرافض للنظام بأسره بشعب آخر من الموظفين الموالين.
خمسة أيام على انتفاضة الشعب الإيراني، وخلال بضعة أيام رأينا ما لم يكن بحسبان الملالي، ألف حذاء في وجه المرشد علي خامنئي وفي معقل الملالي "قُم" وإحراق لصور المرشد وللجنرال قاسم سليماني، وحرق لمركبات تابعة للباسيج، وهتافات مطالبة برحيل خامئني.
وكأن إيران ونظامها الكهنوتي تعيش في البرزخ، لا في بلاد ضاق أهلها ذرعاً بسياسات أصحاب العمائم، فهؤلاء أوصلوا المعاناة إلى حد لا يطاق، ومع ما تسببوا به من فقر وبطالة وفساد واضطهاد وقمع للحريات، لا يبدو أنهم يختلفون عن جيرانهم الأنظمة العربية.
فيكفي الإشارة هنا إلى أن ٤٠ مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر، وبدلاً من حل المعضلة الاقتصادية ذهب النظام يغلق ويحجب مواقع التواصل الاجتماعي وبمواجهة الانتفاضة الشعبية باستنفار عسكري وأمني وبالتهديد والوعيد وغيرها من الممارسات التي شاهدناها في ثورات الربيع العربي.
إيران اليوم إزاء استحقاق وطني ثوري يماثل ما حدث في جمهوريات العرب، فبعيد نحو أربعة عقود على ثورة العام ١٩٧٩م وتصديرها إلى أكثر من بقعة، ها هي إيران في موضع المتلقي لثورة لم تكن بالحسبان.