الجماعة الحوثية اليوم يمكنها صناعة واستنساخ أتباع يمثلون ما بقي من المؤتمر الشعبي العام، لكنها وفي كل الأحوال لن تستطيع إيجاد حليف سياسي يشاركها ولو شكلياً مهام المرحلة التالية لمصرع الرئيس السابق صالح، فسواء كانت المهمة عسكرية أو دبلوماسية أو حتى إدارية محضة، فإن الجماعة الحوثية ستكون هي الواجهة والمسئولة والنافذة، وعداها مجرد جوقة كومبارس تؤدي دورها بناء على ما هو مكتوب ومرسوم.
واقع الحال أن المؤتمر الشعبي العام يماثل الحزب الوطني في مصر والحزب الدستوري في تونس، فيما لجانه وتكويناته العلياء والوسطى والسفلى تشبه لحد ما اللجان الشعبية في ليبيا إبان حقبة الديكتاتور القذافي، ومع هذين التماثل والتشابه مازال هناك من يحاول رسم صورة مغايرة وايجابية للمؤتمر الشعبي، باعتباره حزباً إيديولوجيا وشعبياً يصعب تجاوزه أو إغفاله.
شخصياً، أعد المؤتمر الشعبي العام، أكبر مغالطة تاريخية، وأكبر أكذوبة في التاريخ السياسي والحزبي والوطني، بل وأحمل قادته مسؤولية ما حدث في هذه البلاد من حروب وأزمات واقتتال ونهب وسلب وتدمير وفساد وإفساد، فيحسب للمؤتمر أنه وبقيادة زعيمه التاريخي أفسد الحياة السياسية ومزق الوحدة المجتمعية وأساء للديمقراطية والحزبية والتعددية أيما إساءة وتشويه.
إنَّه يماثل الحرس الجمهوري كيافطة وطنية، وكقوة مسلحة ومدربة انحدرت من سمو المهمة الوطنية إلى قعر العائلة والعشيرة والقبيلة والطائفة، فكلاهما المؤتمر والحرس بلا عقيدة وطنية جمعية، وبلا ولاء جمعي حقيقي يقوم على أساس الأفكار والقناعات السياسية والوطنية، وأسوأ من ذلك أنهما يشتركان في مزية الولاء لشخص الحاكم الفرد وحماية سلطانه ومغانمه ودونما أي اعتبارات وطنية أو تنظيمية أو أخلاقية.
فمع احترامي لكل المنضوين في كيان المؤتمر، أقول لهم: إن المسألة تتعلق هنا بكائن هلامي صنعه الزعيم وجعله صنماً يعبد ولا مندوحة لديه إذا ما أكله وهضمه مثلما فعل زعماء الجاهلية مع أصنامهم المصنوعة من حبيبات التمر.
كان صديقي أحمد قائد السنمي أول المبشرين بالميثاق الوطني، لكنه ومع أول تجربة له عقب إعلان التعددية الحزبية بعيد توحد بلاد اليمن في 22 مايو 1990م صُدم بكون القيادات الرفيعة ليست سوى أتباعا، أو قولوا شقاة لدى الزعيم القائد الملهم المؤسس.
اكتشف سوءة التنظيم العبثي الشعبوي في أول لقاء جمعه بشخصية مؤتمرية رفيعة بحجم الدكتور/ عبدالله حسين بركات وزير الداخلية الأسبق، الذي تم إيفاده من صنعاء ولمهمة إشهار فرع المؤتمر بالضالع، فلقد كانت وجهة نظر أحمد في ذينك الاجتماع الحزبي، كافية للحكم عليه وعلى وضعه الوظيفي في المؤتمر، اعتبر بركات محدثه ثائراً اشتراكياً ملتزماً بأدبيات ووثائق لا ينبغي تسربها إلى كيان شكلي وبيروقراطي يروم وراثة الحزب الاشتراكي وفي معقله الضالع في ذاك الوقت.
لم يدم طويلاً إعجاب صديقي بالمؤتمر وميثاقه، فسرعان ما استقال بعد أن وجد ذاته مجرد قيادي شكلي في كيان غريب وعجيب لا يشبه مطلقا أياً من تلك المفاهيم والمبادئ التي قرأها في مضامين الميثاق، ومثلما يقال باللهجة العامية: كانت اللقية سوداً " وما ظنه صاحبي تفاحة نيوتن، طلع مجرد وثيقة محشوة بجمل وعبارات لا مكان لها في واقع التطبيق.
البعض يتساءل الآن وبحسرة وسذاجة: أين ذهبت قوات الحرس الجمهوري؟ وأين راحت تلك الألوية القتالية البالغ عددها أكثر من أربعين لواء؟ وما مصير المؤتمر الشعبي بعيد مصرع زعيمه؟ وماذا بعد إعلان صنعاء، أمس الأحد، بشأن تكليف الشيخ/ صادق أمين أبو رأس، لوراثة المؤتمر؟.
لكل هؤلاء أقول: المؤتمر مثل الحرس، فكلاهما أكبر لعنة وخدعة انطلت على اليمنيين، وإذا كان هنالك ثمة أمل في المؤتمر والحرس، فينبغي أن ينصب التفكير والجهد في مسألتين أساسيتين، المؤتمر كحزب جديد متخلق من مخاضات المرحلة التاريخية، والحرس كقوة وطنية عقائدية متشكلة من خضم نضالات وتضحيات اليمنيين وتوقهم للدولة اليمنية الحديثة والعادلة والمستقرة.
فدونما تحرير الاثنين، المؤتمر والحرس، من ربقة الأفكار والقيادات والممارسات الماضوية، ستبقى جل الدعوات والأفعال لإعادة تموضعهما في خارطة اليمن الاتحادي، مجرد محاولة عبثية وميئوس منها، فما لم يتم تسمية الأمور بمسمياتها الصحيحة، فلن تفلح أبداً كل أشكال التجميل للواقع القبيح، ففي المنتهى البيضة الرديئة من الغراب الرديء، وعلينا تحديد أولوياتنا بناء واستحقاقات الدولة المستقبلية وليس وفقاً والدولة الماضوية الفاشلة التي استوجبت منا كل هذه القرابين والعناء.