للوطن حب يجري في عروقنا، هو قدرنا الذي لا نختاره، مسقط الرأس ويظل الأصل، والأم، وكل يعرف علاقة الأم بولدها، هي أقوى وأسمى العلاقات الإنسانية وأعمقها تأثيرا، ولا يوجد إنسان سويّ يكره أمه.
حب الوطن، ككل حب آخر، منه السوي النابض قلباً وعقلاً، وفيه العاصف المجنون الذي قد يؤذي الحبيب والمحب معاً (ومن الحب ما قتل!).. والذين يؤذون أوطانهم ربما يحبونها، ولكنهم يفشلون في التعبير السوي عن هذا الحب، وقد يعبرون عنه بما يدمرهم ويدمر الوطن معهم!.
تحولت بعض النخب السياسية والاجتماعية، من مثقفين وصحفيين وأكاديميين، لمعاناة وطن بسلوكياتهم المؤذية، واختياراتهم المسيئة، بتحالفاتهم المشبوهة، بتجريف تنوعه الثقافي والفكري والسياسي، بنثر السوء وزرع بذور الفتن والفرقة والصراعات واللعب على التناقضات، بثقافة المناطقية والفرز المدمر للنسيج الاجتماعي والوطني، بتغذية التراكمات السلبية ونبش أكوام النفايات.
الفشل المريع بالارتقاء لمستوى التحدي، للرضوخ للانحطاط، ورداءة الواقع، والارتهان بعقلية مصابة وجزءا معطوب مضر غير نافع، يرفض التعايش وقبول المختلف كشركاء.
اليوم تسقط لدى البعض كل القيم والمبادئ، ليراهن على الارتهان بفقدان السيادة، ليقبل أن يكون أداؤه بيد قوى خارجية، يبرر لها عبثها بخيرات ومقدرات وتاريخ وارث وطنه، كنكاية بخصومة.
ما يحدث في وطني وأرضي، أرض الآباء والأجداد، أرض التاريخ والحضارة، معيب بحقنا، ممن يقبل التنازل عن وطنه بهذه الطريقة، القبول في ما يحدث من انتهاك للسيادة اليمنية جنوبية أو شمالية لعنة في جبين أصحابها على مدى التاريخ، ما لم تتحرك مشاعرنا الوطنية وحبنا ووفائنا لهذه الأرض وتتفوق المصالحة العامة عن المصالح الضيقة والأنانية، تتفوق وطنيتنا وهويتنا اليمنية، لنكن جديرين بالثقة على حماية الأرض والعرض والتاريخ والحضارة والإرث الجميل والهوية التي هي ملك للجميع ولن يقبل عرضها لمزاد البيع والشراء بمبرر الفشل في مواجهة التحدي غير من لا يستحقها، وطن لا نحميه لا نستحقه.
كلما تشتد المعاناة يرتقي الأصيل لمستوى التحديات، وينحط الهزيل لقاع الرداءة، ليتلطخ في وحلها ويلهو بقذارتها كغبي معتوه لا يدرك خطورة ما يقوم به وما يتسبب له ولمن حوله من أضرار بالغة، وأخطاء لا تغتفر.
عندما تحب ترتقي بالمحبوب (الوطن) لمستوى التحديات، وتقدمه مثلاً طيباً، وتزرع فيه بذور الخير والسلام والمحبة والتسامح، وتنتزع منه كل شر.
تمعنوا جيدا في اختياراتكم ومواقفكم، والأموال التي يغدقونها لكم كثمن بخس بحق هذه الأرض والعرض، والتاريخ لا يرحم والرجال مواقف.