جملة يرددها الكثير من باب الامتعاض و الاستياء والاستغراب!! و جهلوا أن التغيير سنة كونية.. ومع مرور الزمن يتغير شكل الإنسان و طريقة تفكيره أهدافه و طموحاته وانشغالاته واهتماماته، لأنه يتعلم أكثر ويفهم أكثر ويعرف أكثر وتتضح الرؤية وتظهر حقائق وتسقط أقنعة، فعمر الإنسان والبيئة و الظروف والمواقف والتجارب التي يمر بها كلها تصنع التغيير.. و كل ما في الكون يتغير ويتبدل ويتحول ولا يبقى على حاله إلا الله سبحانه وتعالي.. والحكمة تقول (كل شي معقول).. و من المقبول والمعقول أن تتغير طباع الشخص، ومن المعيب والمشين أن تتغير أخلاقه، فمن كان اجتماعيا قد يصبح انطوائيا.. و من كان رومانسياً قد يتحول إلى شخص لا يعترف بالمشاعر و العواطف: (بعدك كرهت الهوى والحب لا عاد بعشق ولا بخطب) أو العكس كقول المتنبي: (و عذلت أهل العشق حتى ذقته فعجبت كيف يموت من لايعشقُ) و قد ينتقل الشخص من مربع الشدة إلى مربع اللين كقول كُثير عزة: (و ما كنت أدري قبل عزة ما البكاء و لا موجعات النفس حتى تولتِ)
أو العكس كقول الشاعر: (من شاء بعدك فليمت فعليك كنت احاذرُ) و لكن من غير المقبول أن تتغير أخلاق الشخص.. كأن يتحول الأمين إلى خائناً والصادق كاذباً أو ينتقل من مربع النُبل الى مربع النذالة و النذل هو ذلك الشخص الذي يتغير على أحبابه بسبب مال أو جاه أو منصب أو دخول شخص اخر على الخط أو بدون سبب كما وصفت وردة في قولها: (وف ليلة قابلوه ، كلموه، سألوه عن اسمي سألوه قال ما اعرفوش، ما قابلتوش، ما شفتوش قال يعني مش فاكرنا، ولا فاكر حب بينا وايامنا سوا؟)
و دعونا نتخذها قاعدة (كل شيء بدون سبب قلة أدب).. و تزعم طائفة أن البُعد يغير المشاعر و يبدلها و يستدلون.. بقول المحضار رحمة الله عليه:
(قال لي ايش غير طباعك قلت ليلة وداعك عندما سرت و النفس محزونه)
و قول الشاعر خليل الخوري:
(عهدي بقلبك أن يرق لحالتي اتراه من البعد الفراق تغيرا؟)
و لست مع هذا الرأي المخالف للوفاء و اجدني مع المحضار وهو يعرض لنا صورة من أروع صور الوفاء في البعد قائلاً:
(باشل حبك معي بالقيه زادي .. ومرافقي في السفر وباتلذذ بذكرك في بلادي .. في مقيلي والسمر)
(و أجمل منه قول بن زيدون:
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقا اليكم ولا جفتم مآقينا حالت لفقدكمُ أيامنا فغدت سودا، وكانت بكم بيضاً ليالينا لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا إذ طالما غير النأي المحبينا والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً منكم، و لا انصرفت عنكم أمانينا و لا استفدنا خليلاً عنك يشغلنا و لا اتخذنا بديلاً منك يُسلينا)
و يقول شاعر آخر:
(ظننت البعد ينسيني هواكَ فلا والله قلبي ما سلاك!! بعيدا أنت عن لفتات عيني وهل أنساك كوني لا أراك؟)
و هناك أسباب منطقية لتغير الشخص تجاه من كان يحبهم (فيهمولنا ويخذلونا و يقولوا تغيرنا)
و قد تظهر حقائق لم تكن بالحسبان: ( جيت أنا راعي وفاء وجيتني راعي غدر جيت يمك من محبه وجيت يمي مصلحة)
و تسقط أقنعة: ( ما كنت متوقع خيانته لي و أنا أحسبه في الناس خلي)
و في النهاية كل شخص هو من يحدد فترة صلاحية حبه في قلوبنا.