لم يكن يعلم ابن محافظة لحج والمقيم في صنعاء أن يوم عرسه سيتحول إلى حكاية أغرب من الخيال. منذ عام أتم عقد قرانه مع من اختارها شريكة لحياته والمقيمة أيضا في صنعاء. واتفق الجميع أن يكون العرس في فترة الصيف 2018م. وقد تأخر عن موعده أكثر من مرة.. وبعد جهد جهيد استطاع أن يحجز صالة ليقام فيها عرسه المقرر يوم الخميس 13 سبتمبر وكان ذلك بالتنسيق مع أهالي العروسة الذين حجزوا قاعة إلى نفس اليوم أيضا. كانت الأمور تمشي على ما يرام. قام العريس بتوزيع الدعوات لأحبابه ومعارفه من قبل موعد العرس بأسبوعين وكذلك فعل أهالي العروس . وبما أن العريس يعمل في أحد المصانع بمدينة الحديدة وتحديدا في منطقة (كيلو 16) فقد قرر النزول إلى هناك قبل العرس بسبعة أيام لأمر ضروري ولتخليص بعض الإجراءات المتعلقة بعمله حسب طلب إدارة المصنع وكذلك استلام المساعدة المالية التي وعدته بها الإدارة. عارضت الأسرة فكرة نزوله إلى الحديدة بسب الأوضاع هناك ولكنه طمأنهم أن الأمور هادئة كما أن هناك مفاوضات مقررة في جنيف وقد وصل وفد الشرعية إلى هناك وقد صرح المبعوث الدولي أن الأمور ستكون على ما يرام... تطمن صاحبنا لكلام المبعوث الدولي. ويمم وجهه غرباً في اتجاه عروسة البحر الأحمر وفي باله عينا عروسته التي سيجتمع بها بعد أيام قليلة. ذهب إلى هناك والشوق إلى العودة يملأ جوانحه. وصل إلى مقر عمله وأخذ سيارته التي كانت هناك ودخل إلى المدينة بقصد شراء بعض مستلزمات العرس. عاد إلى المصنع لإتمام ما نزل من أجله على أمل العودة إلى صنعاء نهار الاثنين أو صباح الثلاثاء . لكن الأمور تطورت بشكل درامي لم يكن يخطر بباله على الإطلاق سياسياً وعسكرياً، فقد فشلت مفاوضات جنيف ولم تنعقد أصلاً. بدأ الزحف البري المصحوب بتغطية جوية ومساندة بحرية في اتجاه المدينة وتحديدا في اتجاه منطقة كيلو (16) . حيث مقر المصنع الذي يوجد به عريسنا الهمام الذي وجد نفسه محاصرا تماما مع العديد حوله ولا يستطيعون الخروج. لأن الموت ينتظرهم، فقد وقعوا في منطقة وسط مابين المهاجم والمدافع. ظل صاحبنا هناك ما يقرب من ثمانية وأربعين ساعة. كانت عنده كالدهر كله. مرت وهو يستعرض في مخيلته كيف ستسير الأمور في صنعاء الخميس القادم يوم عرسه، وكانت تلك الساعات أيضا سوداء على أهله في صنعاء الذين يتابعونه بالدقيقة.. خرج من المصنع بعد تلك الساعات متحديا للموت. سيارته لم تكن معه، فقد أخذها صديقه قبل يومين ودخل بها المدينة، فحالت المواجهات في بعض أطراف المدينة وفي منطقة كيلو (16) بالذات دون عودته. قرر العريس الفدائي الوصول إلى باجل بأي ثمن حتى يصل إلى صنعاء في الوقت المناسب. سلك مع مجموعة عبر إحدى السيارات طريق الكدن الضحي حتى الوصول إلى باجل ولكنهم سلكوا طرقاً فرعية وبعد توقفهم في الطريق ساعات متعددة خوفا من الطيران الذي لم يبارح سماء المنطقة وصلوا إلى باجل وكان ذلك ظهر الخميس 13 سبتمبر وهو يوم عرسه المقرر في صنعاء. تفرق عنه البقية كل إلى وجهته.. كانت السيارات المتجهة إلى صنعاء شبه منعدمة. وبعد ساعات انتظار وجد العريس سيارة هايلوكس متجهة إلى صنعاء قبل عصر الخميس ولما لم يكن هناك مجال لركوبه في القدام فقد قبل أن يركب في حوض السيارة بجانب ثلاثة آخرين كانوا هناك.. أما في صنعاء فقد بدأ المدعوون بالتوافد إلى الصالة المعلن عنها بالدعوات. وقد سبقهم إلى هناك الفنان الذي تم حجزه من قبل. وكلما مر الوقت أخذوا يتساءلون عن العريس ولماذا لم يحضر؟ وكان أهل العريس يسوقون لهم أعذاراً مختلفة. صعد العريس إلى حوض السيارة ومعه شنطة ملابس وبجانبها علاقي دعاية بداخلها سته عقود من الفل اشتراها من باجل. كان كل همه أن يصل في وقت مناسب حتى يستطيع الذهاب إلى القاعة التي فيها عروسته فيلتقط معها الصور ثم يأخذها معه إلى شقته حسب ما تم الاتفاق عليه. أخذ ينادي سائق السيارة ويترجاه أن يسرع. ولكن كان القدر له بالمرصاد. فعندما وصل إلى أول نقطة أمنية تم توقيف السيارة وطلب البطائق منهم وبعد سين وجيم والقسم بالأيمان المغلضة أنهم ليسو هاربين من جبهات القتال تم السماح لهم بالمرور، خاصة وقد شرح لهم صاحبنا قصته . وللتدليل على ذلك أظهر لهم دعوة لفرحة كانت في جيبه كما أهدى لمشرف النقطة عقد من الفل. وهكذا تعاملوا معهم في بقية النقاط فمنهم من كان يتعاطف معه فيسمح لهم بالمرور ومنهم من لم يتفهم فيحجزهم لساعات. انتهى الشحن من تلفونه فانقطع عن أهله. رفاقه الذين معه في حوض السيارة وهم من أبناء صنعاء وبعد أن عرفوا قصته تعاطفوا معه وأخذوا يواسونه ويسلونه بترديد ببعض النكت وبعض أناشيد الزفة الصنعانية. أما سائق السيارة فلم يطفئ صوت الزامل إلا عندما تعطلت السيارة لبعض الوقت بالقرب من مناخة. غادر المدعوون من الصالة مع حلول المساء وهم في حيرة من الأمر. أما في قاعة الاحتفال الخاصة بالعروسة فقد اضطر الأب إلى مصارحة ابنته بالحقيقة وأخذها معه إلى البيت. ومع تباشير صباح الجمعة وصل بطلنا العريس إلى منطقة (عصر) على مشارف العاصمة فأخذ يتأمل الخيوط الفضية الصادرة من خلف جبل نقم، حيث شروق الشمس ولعله تذكر حينها فستان عروسته والذي اشتراه لها والمطرز بالألوان الفضية.. نظر إلى الدعاية التي يحملها فلم يجد فيها غير عقد فل واحد متبقي من الذي كانت معه. فنظر إلى رفاقه وقهقه قهقهة طويلة وفعل رفاقه كذلك والذين ألبسوه عقد الفل المتبقي وأخذوا يزفونه.. وفي تلك اللحظة وصل بعض أفراد أسرته الذين خرجوا للبحث عنه. فركبوا جميعا معهم وهم يرددون الزفة ولكن لا نعلم إلى أين؟ فالعريس في حالة إرهاق وتعب شديد.. لا شك أن العروسة قد أصابها الحزن الشديد ولكنها ستكون مطمئنة أن زوجها لن يفكر بعرس آخر في المستقبل. أما العريس فقد استفاد درس كبير بأن الذي يصدق ويثق بكلام المبعوث الدولي سيلاقي نفس المصير
د.كمال البعداني
عريس كيلو 16 1461