كنت انتظر من الرئيس هادي خطاباً يحدثنا فيه عن حلول ومعالجات للازمات الاقتصادية والخدمية والبنيوية الآخذة بالتفاقم وبشكل مخيف ومهلك، وعن كيفية تعاطيه مع الوضعية الراهنة الناتجة عن أزمات مركبة أفضت لحرب بلا منتهى .. نعم، كنت أود منه أن يحدثنا عن الدولة الاتحادية متعددة الأقاليم، وعن جدواها وفائدتها لأجيال المستقبل؛ بدلاً من توريط ذاته في تواريخ وأحداث نحسبها من الماضي البعيد، عوضاً أنها في متناول كل باحث ومطلع. كان يتوجب عليه الكلام عن قناعاته الشخصية التي تكونت لديه من تجربته الحياتية والسياسية، وجعلته يدرك ومقتنع بثمة قضية ينبغي أن يقاتل من أجلها . فهل عجز الرجل عن قول أن الوحدة الاندماجية انتهت، وان الدولة البسيطة فشلت، وان التجزئة وان الدولة الفيدرالية المركبة هي الحل البديل والعادل ولكافة اليمنيين في الجنوب والشمال على السواء، وان هذه الدولة الاتحادية هي غاية نضال طويل وشاق . وان الانقلاب، ومن ثم الحرب، هدفهما الاول إفشال تلك الدولة الاتحادية التي مازالت للحظة مجرد مقررات مكتوبة، ومجرد دستور ونصوص منمقة ينتظرها إنهاء الحرب، وينتظرها جهداً خارقاً، وإرادة سياسية قوية، وشجاعة وصدق وإخلاص ونزاهة، ومعظمها غائبة للأسف .. واذا كان ولابد من تعزيز موقفه المنحاز للتوحد ثانية، فكان عليه، فقط، القول بأن الحدود السابقة صنعها الإنجليز والأتراك، وان الجنوب برمته هو صنيعة توحد دام عقدين ونيف . فقبل استقلال الجنوب عام ١٩٦٧م كانت التجزئة هي الأصل ودامت قرونا، وان ما يحسب للنظام السابق في الجنوب هو قدرته على توحيد كل تلك الفسيفساء من السلطنات والمشيخات والإمارات ال ٢٣، في كيان دولة واحدة مستقلة .. كما وكان بمقدوره الحديث عن قضايا مهمة وحيوية تفضي للدولة الاتحادية المنشودة لكل اليمنيين، ولكنه للأسف أخفق في إيصال قناعاته أو حتى مشروعه السياسي، رغم أهميته وقيمته لمجتمع انهكته الصراعات والحروب على الحكم . الراحل الشهيد علي عنتر حين سؤل ذات حقبة من محرر مجلة "الهدف " اللبنانية التقدمية عن جدوى التوحد بين شعبين مختلفين ثقافياً ؛ كان رده : نأكل العصيد ، ونخزن القات، ونركب الحمير، ونبترع ونرقص، فإين هي يا صاحبي الفروقات الثقافية؟. ولكن هادي لم يفلح حتى بسرد حدث شهير دُوُّن في سفر التاريخ الحديث، فبرغم ان أغلب اليمنيين يحفظون أحداثه عن ظهر قلب وبالفطرة، إلَّا أن رئيسهم ظهر وكأنه واحد مسطول أو جاهل لا يفقه شيئاً .. فلو أنه عزف عن خوض غمار تاريخ يجهله؛ لكان ذلك أفضل له ولنا، فالرجل شوه فكرة الدولة الاتحادية - اذا لم يكن قضى عليها - كما وثبط من عزيمة رجاله وأتباعه، قبل خصومه ومناوئيه . فماذا يعني لهذه الأجيال أن تكون الضالع شمالية ام جنوبية ؟ أن تكون البيضاء أقرب لأبين من حضرموت أو المهرة ؟ أن تكون عدن ارض عبدلية ام فضلية ؟؟ فهل سيغير منطق التاريخ حقيقة أن الجغرافيا لها معادلها الموضوعي المادي، وان المهم هو الإنسان الذي ينبغي أن يقدم على التاريخ والجغرافيا معاً ؟؟. لم ارد هادي أن يكون مثالياً، بحيث يتغنى بوحدة لم يعد لها وجود في نفوس طالها الضيم والقهر والإذلال، فمثل هذا التوحد المتكأ على العاطفة والتاريخ والقوة والجبروت والهيمنة، كان سبباً مباشراً في حالة الارتكاسة الماثلة الان وفي أكثر من جبهة وناحية .. اصدقكم، انني كنت ومازلت انتظر من الرئيس هادي كيما يحدثنا عن يمن مختلف كلياً عن ذاك اليمن الكلاسيكي المثقل بتبعات صراعات وحروب وانقسامات مزقت نسيجه الوطني والمجتمعي، ووئدت طموحات وأحلام أبنائه . ويكفي أن ارى هادي مجسداً لقناعاته التي يؤمن بها، وأن اختلف معه الكثير، وهذا باعتقادي أفضل وأنجع له ولنا من حالة الخذلان والانكسار والقنوط، ومن استجرار التاريخ وأحداثه وحتى شطحاته ونزواته. أذكر لكم قصة شاعر جل إبداعه صياغة قصائد عصماء يمتدح بها رئيس عربي، وفي إحدى الجلسات كنا استمعنا لقصيدة طويلة ذكرتني بمدح ابي تمام للخليفة المعتصم . وبعد قراءتها من قبل صاحبها طُلب منا نقدها، فكل واحد أدلى بدلوه إلى أن وصل الدور لصديقي الجميل الدكتور محمد مسعد العودي، الذي علق هازئاً : قصيدة تماثل إطار حراثة فوق بيجوت " . ما أخشاه أن الدولة الفيدرالية تشبه تلك القصيدة التي هي اكبر من أي رئيس عربي، كذلك هي مقررات مؤتمر الحوار،بالنسبة للرئيس هادي وإدارته للمرحلة ..
محمد علي محسن
حضر الماضي وغاب هادي !! 1319