ما كشفته صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن مساع لإدارة ترامب لتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية في اليمن، يعد خطوة تصعيدية من قبل أميركا، تأخرت في نظر البعض، وستصبح موضع ترحيب من قبل البعض الآخر، وجاءت في خضم العديد من التطورات الأحداث والتطورات. وفق الواشنطن بوست فإن هذه الخطوة كان قد جرى مناقشتها في العام 2016م لكن جرى التراجع عنها إفساحا للمفاوضات بين مختلف الأطراف اليمنية، ومن المعلوم هنا أن إدارة أوباما فرضت عقوبات على شخصيات حوثية في العام 2015م، اتساقا مع تلك التي فرضتها الأمم المتحدة. هذا التوجه الأميركي الراهن مرتبط بالعديد من المواقف والمتغيرات التي طرأت على المشهد في اليمن والمنطقة والعالم، ومن بين تلك المتغيرات وصول الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم في أميركا، وهو المعروف بموقفه المتطرف من إيران، وسعى وفقا لقناعاته لانسحاب واشنطن من البرنامج النووي الايراني الذي وقع عليه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. كما أحاط ترامب إدارته بالعديد من القيادات التي تكن العداء الشديد لإيران كجون بولتون مستشار الأمن القومي، وصهره جاريد كوشنر والذي يعمل كمندوب لترامب في الشرق الأوسط، وكل ذلك جعل الأصوات ترتفع داخل البيت الأبيض لفرض عقوبات على إيران، واتخاذ مواقف رادعة لها، ولجميع الحركات والجماعات المنضوية معها في المنطقة. هذا بالنسبة لواشنطن، أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية فترى أن فرصتها الذهبية هي وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سدة الحكم داخل البيت الأبيض، إذ تتلاقى وجهة نظر الدولتين إزاء إيران، وتسعى السعودية للاستفادة من تطرف ترامب إزاء إيران لتحقيق أكبر هزيمة تلحق بها، مستفيدة أيضا من الموقف الاسرائيلي المناهض للسياسة الإيرانية. ستكون الرياض أول المرحبين بهذا القرار كما تقول الواشنطن بوست، لكن ثمة متغيرات تدفع بالسعودية لهذا القرار، فجريمة مقتل الصحفي السعودي/ جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول، وتوجيه أصابع الاتهام دون التصريح لولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان له تأثيره في الدفع بمثل هذا القرار، فالحرب التي فجرها في اليمن وإشرافه عليها باعتباره وزيرا للدفاع في بلاده كانت أحد مظاهر الإخفاق التي وجهت له على المستوى الدولي، باعتبار الحرب في اليمن عبثية ومتهورة مثلما كانت عملية اغتيال خاشقجي. يسعف هذا ولي العهد السعودي كثيرا، ويسمح له بتحقيق نصر معنوي في ظل الضغوط المتصاعدة عليه بعد مقتل خاشقجي، وفي ظل تعثر تحقيق أي نصر ميداني للتحالف، وارتفاع مستوى تدهور الوضع الإنساني في اليمن جراء الحرب القائمة منذ ثلاث سنوات. لكن هذا كله يضع التساؤل في الواجهة، ما مدى تأثير هذا التصنيف على جماعة الحوثي نفسها؟ وهل يمكن أن يؤدي إلى نتائج ملموسة تؤثر على وجودها، وتدفعها نحو الانتكاسة والتراجع؟ من المعلوم أن التصنيف كجماعة إرهابية من قبل واشنطن يعني أنها وحدها من يتحكم بهذا الأمر، من خلال منع التعامل مع الجهة المصنفة من قبل الشركات والحكومة الأميركية، مع إمكانية محاكمة قادتها داخل الولايات المتحدة، إضافة لمنعهم من استخدام الشبكة المالية الدولية، ومنعهم من السفر إلى الولايات المتحدة. وهذا الأمر بحد ذاته لا يتوفر في جماعة الحوثي، إذ أن ابرز قياداتها لا يسافرون في الخارج كثيرا، ولا يرتبطون بأي تعامل مالي دولي، ولم تؤثر عليهم العقوبات السابقة التي فرضتها الأمم المتحدة، كما لم تؤثر عليهم أيضا تصنيفهم كجماعة إرهابية من قبل السعودية نفسها التي صنفتهم جماعة إرهابية في العام 2014م. يتطابق الأمر تقريبا مع تلك العقوبات التي فرضت على حزب الله اللبناني وهو أحد الجماعات الشيعية المرتبطة بإيران، ورغم العقوبات المتتالية على الحزب فقد ظل قائما داخل لبنان ويمارس أنشطته المختلفة دون أن يتأثر بتلك العقوبات. كما أن تصنيف الحوثيين يعد أحد ادوات الضغط عليهم ودفعهم لتعديل سلوكهم في المنطقة، مثلما هو الحال مع العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، والتي تهدف في المقام الأول وفق المسؤولين الأميركيين لتعديل سلوك إيران. بالنسبة لجماعة الحوثي فقد استوفت الشروط التي تنطبق عليها لتصنيفها كجماعة إرهابية، سواء من خلال الجرائم التي مارستها في اليمن، أو من خلال تحولها لمصدر تهديد للأمن الإقليمي خاصة بعد الهجمات التي شنتها في البحر الأحمر وباب المندب، وإطلاقها الصواريخ على السعودية، وفق ما يراه الجانب الأميركي. لكن ليس لدى جماعة الحوثي ما تخسره في حال فرصت عليها تلك العقوبات، فالجماعة عُرف عنها تهورها وجنوحها للعنف ومواصلة مشروعها داخل اليمن، معتمدة على العديد من الأساليب التي تمكنها من البقاء والتحرك والعمل، وهنا تنقل الواشنطن بوست عن محللين قولهم إن التصنيف نفسه سيؤثر على جماعات الإغاثة التي ستجد نفسها بحاجة إلى إذن مسبق من واشنطن للعمل في اليمن، وهو ما سيضاعف المعاناة الإنسانية بدرجة كبيرة، وفق تأكيدهم. وستتأثر بشكل كبير المؤسسات الحكومية التي تستخدمها جماعة الحوثي في حال تم تنصيفها كجماعة إرهابية، وسينعكس هذا ايضا على اليمن بشكل عام، إذ لازالت كثير من المؤسسات الخدمية والاتصالات والبنوك تعمل من العاصمة صنعاء، وفي كل الأحوال يبدو الأمر غير مجدي مالم يتزامن ذلك مع خطوات عسكرية لإخضاع الحوثيين نحو الحل السياسي، أو هزيمتهم ميدانيا. وفق الواشنطن بوست فلاتزال هناك معارضة لتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية داخل وزارة الخارجية الأميركية نفسها، وهناك أيضا مقترحات باتخاذ بدائل أخرى تستهدف بشكل أساسي القيادات الحوثية الرئيسية في الجماعة. هذا التوجه الأميركي يأتي الكشف عنه في ظل حراك متصاعد يتعلق بالحرب في اليمن، فهناك تحركات أوربية تدعو لوقف الحرب في اليمن، في مقابل مواقف أميركية تؤكد على أهمية وقف الحرب والانخراط في المشاورات، لكن ما كشفه موقع انتلجينس حول الدعم الأميركي المقدم للسعودية والإمارات في معركة الحديدة مؤخرا ينسف المزاعم الأميركية المعلنة لواشنطن المطالبة بوقف الحرب. من الواضح أن الأيام القليلة المقبلة ستكون مليئة وحافلة بالعديد من التطورات، فرغم تحديد وزير الدفاع الأميركي مدة شهر كامل لوقف العمليات العسكرية في اليمن، فإن المواجهات اشتدت وأصبحت أكثر ضراوة في الحديدة، وفي الوقت الذي كان المبعوث الأممي قد أعلن عن وجود مفاوضات خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري بين الأطراف اليمنية، فإن تلك الدعوة سرعان ما تلاشت، عندما كشفت مصادر أممية أن المبعوث الأممي أوقف مساعيه في هذا الجانب، وأنه يسعى لترتيب مفاوضات مع نهاية العام الجاري، أي بعد شهر، وهي مدة كفيلة بأن يطرأ عليها العديد من المتغيرات.
عامر الدميني
تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية هل ينجح في إضعافهم؟ 1221