لم يكن يتوقع أحد أي هجوم مباغت بهذه القوة والسرعة، فكثير من التقارير الدولية التي وصلتهم عبر أذرعهم السلالية المتوغلة في مفاصل العديد من المنظمات الدولية كانت مطمئنة، فماذا حدث، وكيف تغير الموقف على الحوثيين في معارك الساحل. معركة الحديدة تعد من أهم المعارك الفاصلة في مسار الحركة الحوثية، وأحد مسارات الحسم العسكري التي توليها الشرعية أهمية كبرى ايمانا بأهميتها واستراتيجيتها التي ستغير مسار المعادلة وقلب الموازين. تعامل الحوثيون مع المعطيات المفاجئة في معركة الحديدة، بمبادئ الجاهلية الأولي " اللطيمة اللطيمة " عبر ارسال الرسل لشيوخ القبائل وتوجيه خطاب تحذيري من خطورة سقوط هذه المحافظة بأيدي الشرعية، حيث تدفق مشرفو الحوثي وقادة السلالة إلى كل شائخ اليمن لا رغامهم بعمليات حشد جديدة وبالقوة لرفد الجبهات في معركة الساحل. ليس ذلك فقط بل تدخل علماء المسيرة، وتبنوا فتاوى سخيفة وساقطة، وتصدر لذلك مفتي الديار الحوثية " المدعو شمس الدين شرف الدين " حيث أفتى بجواز اختطاف الأطفال بالقوة والزج بهم إلى الجبهات. المليشيات الحوثية تعلم أن الحديدة ومينائها هو بمثابة حبل الوريد لها، وأي تحرير لمينائها هو بمثابة موت قاتل سيزحف إلى مفاصلهم ومناصبهم، فماذا يعني انتزاع الحديدة من أيد الحوثيين.. أولاً.. يعني بداية حرامان المليشيات الحوثية من أكثر من 90% من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة التي كان يتم تهريبها عبر ميناء الحديدة، ما يعني توجيه ضربة قاصمة للمليشيات الحوثية وحرمانهم من أهم مصادر التسليح وعناصر البقاء كمليشيات مسلحة. ثانيا.. حرمان العصابات الحوثية من مئات المليارات "ضرائب وجمارك وعائدات الميناء بشكل عام" حولوها إلى "مجهود حربي" مرعب يتدفق يوميا إلى خزائنهم وأرصدة قادتهم. فالجمع يعلم أن ميناء الحديدة يعد مخزن عُملة صعبة ومصدر سيولة لا يتوقف ولا ينضب، فهو الميناء الذي يمر من خلاله الغالبية العظمى من واردات اليمن وبنسبة تفوق 80% من عمليات الاستيراد. ثالثا.. انتزاع ميناء الحديدة من أيدي الحوثيين يعني القضاء مئات الأسواق السوداء التي استحدثوها في عموم المحافظات التي ما زالت تحت سيطرتهم، حيث حولوا تلك الأسواق "المظلمة بظلمهم" إلى أوكار دخل مالي وتجاري يدر عليهم المليارات شهريا، وهي تجارة قصمت ظهور اليمنيين وأحالت حياتهم إلى جحيم. كما أن هناك عدة أسباب أخرى ستعمل على حرمان الحوثيين من مصادر الحيوية والبقاء (الصمود)، وأهمها حرمانهم من المخزون البشري لمحافظة الحديدة التي تعد ثاني محافظة من ناحية عدد السكان ( بعد محافظة تعز)، حيث يقع فيها أكثر من 5400 تجمعاً سكنياً ما بين مدينة وقرية،ناهيك عن عدد من الجزر اليمنية المنتشرة في البحر الأحمر. حيث يمثل سكان الحديدة ما نسبته (11%) من إجمالي سكان اليمن تقريباً، وهو مخزن بشري كبير فتح شهية الحوثيين لا جبار أهالي هذه المحافظة بالالتحاق وبالقوة والإكراه للقتال في صفوفهم. كما تعد محافظة الحديدة "سلة غداء اليمن" حيث يتم فيها إنتاج قرابة 30% من الإنتاج الزراعي لليمن، ناهيك على أنها المحافظة التي تحتضن العديد من المنشآت الصناعية وأهمها مصنع أسمنت باجل والعديد من الصناعات الغذائية والمشروبات الغازية، والتي تحولت غالبية عائداتها وأرباحها إلى جيوب لصوص المسيرة. هل عرفت لماذا أصيب الحوثيون بالجنون من العملية المباغتة التي قادها الجيش الوطني لتحرير محافظة الحديدة، وما خفي كان أعظم... ولا نامت أعين الجبناء.
أحمد عايض
ثلاثة أسباب قاتلة للحوثيين في الحديدة عند تحريرها.. معركة جنون البقاء وعنفوان التحرر.. 1191