إن ما يطالب به الداعية وكل إنسان بارز في المجتمع يفوق الخيال، وقدرة تحمل أي إنسان - وهو منطق قديم وليس بجديد تحدث عنه القرآن الكريم - قال تعالى :(وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً). وقد رد الله سبحانه عليهم بقوله :(ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون)، وهذا الأسلوب المبالغ في النقد والتركيز على أخطاء الدعاة يشد الداعية إلى الوراء، ويجعله ينفر ليعيش بحرية بعيداً عن مجهر الناس الذي وضعوه تحته.. فإذا ضحك وتباسط في المعاملة قالوا: أين الوقار؟ وإذا سمى وعلاه الوقار قالوا: أين التواضع؟ وإذا غضب لأمر يستدعي الغضب قالوا: أين الحلم؟ ولا يزالون ينكرون عليه الحب والكراهية، وكل الأمور الطبيعية التي فطر عليها الإنسان.. فلا تكلفوا الناس ما لا تسمح به طبائعهم، وتجاوزوا عن تقصيرهم، وغضوا الطرف عن نقصهم. لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم: قالها الحبيب المصطفى للصحابة الكرام عندما قال أحدهم لرجل جلد لكثرة شربه الخمر: ماله أخزاه الله… فالتركيز على أخطاء الناس يدفعهم إلى فعل المزيد من الأخطاء، ولذا أمر الله سبحانه بالستر على العباد، وجعل أجر الستر ستراً في الدنيا والآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم)، وتأمل في حال الطفل الصغير المشاكس إذا قلت: “ما شاء الله مؤدب وحبوب وتسمع الكلام.. مين قال عليه مشاغب؟!” تجده تلقائياً يجلس بجوارك بأدب، وكأنه حمل وديع.. ضرورة المداراة: وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يداري سيئ الخلق حتى لا تتسع رقعة الشر، ولا يستشري الفساد فيه. والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، لاسيما إذا احتيج إلى تألفه، فكيف يتلطف و سيء الخلق والفاسق ؟! ويغلظ على من يخطب فيهم الخير؟! وتجد من الناس الكثير ممن يدافعون عن أخطاء الضالين والفاسقين، ويلتمسون لهم الأعذار تحت ستار حسن الظن وإعانتهم على الخير، وفي نفس الوقت يهاجمون الدعاة، وينشرون أخطاءهم إلى حد التشهير، فلماذا قلبتم الموازين؟! أليس الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث؟ ومن قواعد الشرع والحكمة أيضاً أن من كثرت حسناته وعظمت فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل لغيره، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره؟! ولهذا قال رسول الله صلى عليه وسلم لعمر في حاطب ابن أبي بلتعة: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). يقول الراشد: والشريعة كلها قد بنيت على مراعاة هذا التكافؤ، واعتبار هذه القاعدة في الترجيح، ورب الناس يزن بهذا الميزان يوم القيامة، ولكن البعض ينسى. أخيراً: تدرك حقيقة الإيمان في المواقف التي يطيش خلالها التعامل والعذاب والمحن ومواطن الإغراء، أما الزلات العادية واللمم، والحرف الغاضب والنبرة المفتعلة، وكسل اليومين، فلم يبرأ منها أحد ولا يكاد.. إخوتااااه … لا تضعوني تحت المجهر… فأنا بشر
أحلام القبيلي
لا تضعوهم تحت المجهر 1214