رغم كل ما قيل ويقال عن الفراق وآلامه، وأوجاعه، وآثاره وجوانبه السلبية، إلا أن للفراق جوانبَ إيجابيةً، وفوائد عظيمةً في كل المجالات، لو علمها المحبون لعرفوا قدره وبجلوا أمره، فالفراق يستر العيوب، ويغفر الذنوب، ويظهر المحاسن، ولهذا سمح الشرع بالهجر دون ثلاث للمتخاصمين. تقول الأمثال اليمنية: أبعد عن أهلك يحبوك وجيرانك يفقدوك، ويقول المثل العربي : زر غباً تزدد حباً. فمن المتعارف عليه أننا لا نعرف قدر ومكانة أي شيء في حياتنا إلا إذا فقدناه أو فارقناه، ولهذا قال الشاعر: سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر وإذا فارق الإنسان صحته وعافيته رآها تاجاً على رؤوس الأصحاء، وفي أوطاننا العربية والإسلامية لا يحصل المبدعون والمتميزون على أي اهتمام أو تكريم إلا بعد أن يغادروا هذه الحياة، حتى قال جمال الدين الأفغاني رحمه الله: "الأديب في الشرق يموت حياً ويحيا ميتاً". والفراق يؤجج المشاعر، ويجلو العواطف، ويزيد الأشواق، ويحفظ الحب، ويطرد الملل، وقد كان عمر رضي الله تعالى عنه يضرب الحجاج إذا حجوا ويقول: "يا أهل اليمن يمنكم، ويا أهل الشام شامكم، ويا أهل العراق عراقكم، ولذلك همّ عمر رضي الله تعالى عنه بمنع الناس من كثرة الطواف وقال: خشيت أن يأنس الناس بهذا البيت"... يقول الشاعر: وقد زعموا أن المحب إذا دنا يملُ وأن البعد يشفي من الوجدِ ويقول جميل بثينة: يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ويحيا إذا فارقتُها فيعودُ أما الأستاذة/ غادة السمان، فقد وصفت الفراق بأنه أوكسجين الحب، وقالت: "إن الحب اخترع الفراق ليحيا, فمن يقترب كثيراً يصير بعيداً". وإن الحب مصنوع من مادة ملونة وهشة وجميلة، تشبه أجنحة الفراشات الهاربة كالزمن، وحين نلقي القبض على الفراشة ونتأملها عن قرب تتكسر أجنحتها السحرية الجمال، ونلحظ أنها مجرد حشرة.
أحلام القبيلي
وللفراق فوائد 1192