;
د. عبده البحش
د. عبده البحش

الابتزاز السياسي الغربي ضد المملكة العربية السعودية 557

2019-03-03 12:56:05

أولا: مقدمة: في الآونة الأخيرة برزت المملكة العربية السعودية كقوة إقليمية عربية فاعلة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد أفول الأدوار الفاعلة لكل من مصر والعراق. التطورات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط جعلت السعودية تقود المواجهة ضد التدخلات الإيرانية المزعزعة لأمن واستقرار المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر السعودية عضواً بارزاً في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية. وعلاوة على ذلك تقود السعودية تحالفاً عربياً لمساندة الحكومة اليمنية الشرعية ضد المليشيات الحوثية المدعومة من إيران. هذه الورقة البحثية تتناول، التطورات الجديدة في العلاقات بين المملكة النفطية الغنية والدول الغربية، خاصة في ظل تصاعد التوترات بين الجانبين، والتي تفاقمت، بسبب التدخلات في الشؤون الداخلية السعودية أو نتيجة الاعتراض على السياسة الخارجية السعودية، وخاصة فيما يتعلق بحرب اليمن. تسعى هذه الورقة إلى دراسة الضغوطات الغربية المتزايدة على الرياض وكذلك التدخلات في الشؤون الداخلية السعودية مثل تدخّل وزارة الخارجية الكندية والابتزاز السياسي الذي تمارسه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، لا سيما منظمة العفو الدولية ومنظمة "هيومن رايتس ووتش". تحاول هذه الورقة استكشاف الأبعاد السياسية للضغوطات الغربية ضد السعودية، فضلاً عن السعي لتحليل سياسة الاتحاد الأوروبي الغير ودية تجاه السعودية، لا سيما بعد أن أدرجت المفوضية الأوروبية الرياض في القائمة السوداء للدول التي تشكل خطر على التكتل الأوربي، وهي البلدان، التي تتهاون في عمليات غسيل الأموال، وتمويل الجماعات الإرهابية. وعليه فان هذه الدراسة ستجيب على الأسئلة التالية: ماذا يبيت الغرب من مخططات ضد السعودية؟ لماذا تمارس الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الابتزاز السياسي ضد الرياض؟ ما هي تداعيات قرار المفوضية الأوربية إدراج السعودية في القائمة السوداء للدول، التي تشكّل تهديداً للاتحاد الأوربي؟ ما هي تداعيات قرار المفوضية على مستقبل العلاقات بين الرياض وبعض العواصم الأوربية؟ ما هو تأثير قرار المفوضية الأوربية على خطط السعودية الرامية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية؟ ما هي الخيارات المتاحة أمام صانع القرار السياسي السعودي للرد على قرار المفوضية الأوربية؟ ثانياً: المكانة الدولية للمملكة العربية السعودية: تعتبر المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن واحدة من الدول الأربع الكبرى في المنطقة إلى جانب إيران وتركيا وإسرائيل، حيث تتمتع السعودية بقدرات اقتصادية ضخمة ومساحة شاسعة من الأراضي تشكل أربعة أخماس شبه الجزيرة العربية بمساحة تقدر بحوالي مليوني كليو متر مربع. بالإضافة إلى ذلك يمتلك الجيش السعودي ترسانة ضخمة من الأسلحة الحديثة المتطورة أميركية الصنع. وعلاوة على ذلك تضم السعودية أهم المراكز الإسلامية المقدسة في مكة والمدينة، مما يجعلها دولة ذات تأثير قوي على شعوب العالم الإسلامي وخاصة المجتمعات السنية. وفي دراسة أميركية حلت السعودية في المرتبة التاسعة من بين أقوى 23 دولة على المستوى العالمي استنادا إلى معايير مختلفة من ضمنها جودة الحياة والمواطنة، بالإضافة إلى القوة من حيث التأثير الاقتصادي والساسي وقوة الحلفاء الدوليين والقدرات العسكرية. إن المكانة المهمة للسعودية على المستوى الدولي تتجلى في تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قال إن علاقة بلاده بالسعودية لن تتأثر بسبب قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، كون السعودية بلدا غنيا جدا وحليفا استراتيجيا مهما في الحرب على الإرهاب. كذلك تعد المملكة ممولا رئيسيا لمنظمة الأمم المتحدة من خلال ثلاثة مستويات، هي تمويل الموازنة العامة للأمم المتحدة، تمويل قوات حفظ السلام الدولية، تمويل المنظمات المتخصصة، فضلاً عن تمويل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي للإنشاء والتنمية. إن امتلاك السعودية 25% من الاحتياطي النفطي العالمي يجعلها قوة مالية واقتصادية ضخمة تستقطب العديد من دول العالم المستهلكة للنفط، حيث أن تلك الدول تحرص على إقامة علاقات قوية مع السعودية. بالإضافة إلى ذلك تسعى الكثير من الدول الغربية والآسيوية والأفريقية إلى استقطاب الاستثمارات السعودية والاحتفاظ بعلاقات تعاون معها، مما يعني أن السعودية تشكّل قوة إقليمية ودولية لا يستهان بها. ثالثا: الابتزاز الأممي ضد السعودية: بدأت الأمم المتحدة في سياسة الابتزاز ضد السعودية منذ البداية الأولى لحرب اليمن، حيث اتهم المبعوث الخاص للأمين العام المتحدة إلى اليمن/ جمال بن عمر، السعودية في إفشال الحل السياسي في اللحظات الأخيرة، عندما تدخلت الرياض عسكرياً وأطلقت عاصفة الحزم. إن اتهامات جمال بن عمر للسعودية في تقويض عملية السلام في اليمن وإشعال فتيل الصراع فيه، ليست نابعة من موقف شخصي أو تعبير عن رأي فردي، وإنما تعد موقفاً رسمياً للأمم المتحدة يدين السعودية ويحمّلها مسؤولية الحرب مستقبلاً ويفتح الباب على مصراعيه للابتزاز السياسي. وفي سياق متصل لعمليات الابتزاز السياسي، التي تمارسه الأمم المتحدة ضد السعودية أدرج الأمين العام السابق للأمم المتحدة/ بان كي مون، التحالف العربي بقيادة السعودية في قائمة العار السنوية، التي تشمل مرتكبي الانتهاكات الستة الجسيمة ضد الأطفال، لكن السعودية اعترضت على ذلك بحجة أن تقرير المكتب الخاص للأمين العام تضمن معلومات مزيفة لا أساس لها من الصحة، الأمر الذي جعل الأمين العام يزيل اسم التحالف من قائمة العار، خاصة بعد أن هددت السعودية بسحب ملايين الدولارات المخصصة لمساعدة برامج الأمم المتحدة. ان سياسة الابتزاز التي تمارسها الأمم المتحدة ضد السعودية تأتي في سياق مخطط دولي يستهدف الرياض، كون القوى الدولية المهيمنة تستخدم الأمم المتحدة في كثير من الأحيان كأداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجة للدول العظمى، كما حدث في حرب الخليج الثانية وحرب البلقان والتدخل العسكري لحلف الناتو في ليبيا. هذه المرة قام مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بمناقشة تقرير لجنة الخبراء بشأن اليمن، والذي يتهم التحالف العربي بقيادة السعودية بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الانسان في اليمن، حيث ذكر التقرير أن التحالف شن ضربات جوية في اليمن تسببت بخسائر شديدة في الأرواح، قد يصل بعضها إلى جرائم حرب. وأضاف التقرير إن التحالف فرض قيودا شديدة على موانئ البحر الأحمر ومطار صنعاء، مما حرم اليمنيين من الإمدادات الحيوية، وهو ما يمثل جريمة حرب تستوجب المسائلة القانونية. وأعلنت المفوضية السامية لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة أنها سجلت أكثر من 17 ألف حالة قتل وإصابة مدنيين في اليمن منذ أن تدخل التحالف في الصراع. وذكرت المفوضية أن التحالف يتحمل المسؤولية عن معظم هذه الحالات 10471 من أصل 17062 حالة. أما فيما يخص المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة مثل "منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش" التي يتم استغلالهما لأغراض سياسية، من أجل الضغط والابتزاز والتشهير ضد بلدان معينة كما هو حاصل الآن ضد السعودية. حيث اتهمت منظمة العفو الدولية التحالف الذي تقوده السعودية باستخدام الذخائر العنقودية في اليمن، وهو سلاح محضور بموجب اتفاقية "اسلو" الدولية. وأضافت المنظمة- في تقريرها لعامي 2017م و2018م- أن السعودية تمارس القمع والتعذيب ضد النشطاء، وتستخدم الإعدامات لتصفية حسابات سياسية، ولم يغفل التقرير ما أسماها جرائم الحرب السعودية في اليمن، والقيود المشددة على حرية التعبير، والتمييز القانوني والاجتماعي ضد المرأة. اما منظمة هيومن رايتس ووتش فقد صعدت من حملتها ضد الرياض، حيث اتهمت السعودية باحتجاز آلاف الأشخاص تعسفياً ووضعهم في السجون لعدة سنوات دون محاكمة. واتهمت المنظمة، السلطات السعودية بقمع واعتقال نشطاء يطالبون بالإصلاح، أو يعبرون عن معارضة سلمية. وفي سياق متصل طالبت المنظمة السلطات السعودية بالسماح لمراقبين مستقلين دوليين بالوصول إلى ناشطات حقوق إنسان سعوديات معتقلات للتأكد من سلامتهن وعلى رأسهن "سمر بدوي ونسيمة السادة". وعلاوة على ذلك اتهمت "هيومن رايتس ووتش" السعودية باستخدام صواريخ عنقودية محرمة في الحرب على اليمن، وزعمت المنظمة أنها تملك معلومات وأدلة تثبت تورط السعودية بارتكاب جرائم حرب في اليمن. وبغض النظر عن ادعاءات العفو الدولية "وهيومن رايتس ووتش"، فإنه من الواضح أن تلك الحملة تندرج ضمن مؤامرة دولية تستهدف المملكة العربية السعودية. رابعا: التصعيد الغربي ضد السعودية: بالرغم من أن السعودية كانت وما زالت حليفا تاريخيا واستراتيجيا للغرب في مواجهة الشيوعية السوفيتية والدول العربية التقدمية ذات الأيديولوجيات القومية العربية، وحاليا في الحرب ضد التطرف والإرهاب، إلا أنه في عالم السياسة لا يوجد أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون ولكن توجد مصالح دائمة، فالغرب الرأسمالي تخلّى عن نظام الشاه- أبرز حلفائه في المنطقة- لصالح نظام جديد إسلامي متطرف واستبدادي. يبدو أن الغرب- في الآونة الأخيرة- بدأ يدير ظهره للسعودية لمصلحة حليف جديد في منطقة شبه الجزيرة العربية وبالتحديد حركة الحوثيين الشيعية، التي تخوض حربا ضد السعودية والحكومة الشرعية اليمنية. من المحتمل أن الغرب يقف سراً إلى جانب المليشيات الحوثية، وهذا يتجلى في مواقف الغرب الرافضة لهزيمة المليشيات الحوثية وممارسة أقصى الضغوط الدولية لإيقاف معركة تحرير مدينة الحديدة وإيقاف التقدم في كافة خطوط المواجهة مع المليشيات الحوثية الانقلابية. إن التصعيد الغربي ضد السعودية يحمل في طياته أبعاداً ومخططات سرية تستهدف السعودية كدولة عربية قوية وبارزة في المنطقة قادرة على حشد العالم العربي والإسلامي وتكوين تحالفات عسكرية واقتصادية وسياسية لا يستهان بها، ولذا فإن التصعيد الغربي ضد الرياض يأتي في إطار كبح جماح المملكة لإرغامها على البقاء كحليف مجرد من كل مصار القوة، ومن الإرادة السياسية، والقرار الوطني المستقل. إن القوة المالية الهائلة للسعودية والتي تأتي من عائدات النفط تمثل أحد محفزات التصعيد الغربي الرامية للسيطرة عليها، لا سيما بعد أن تمت السيطرة على نفط العراق وليبيا وهذا أمر محتمل الحدوث. التطور في التصعيد الغربي انتقل من مرحلة التصعيد عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى التصعيد المباشر عبر الدول والحكومات الغربية مثل التصعيد والتدخل الكندي في الشؤون الداخلية السعودية، حيث أصدرت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند بيانا حول سجن ناشطتين سعوديتين تسبب بأزمة دبلوماسية كبيرة بين كندا والسعودية تفاقمت مثل كرة الثلج حتى وصلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ويبدو أن الرد السعودي على التدخل الكندي كان مبالغا فيه، لا سيما أن الرياض في حاجة ماسة إلى حلفائها الغربيين في هذا الوقت العصيب وليس إلى مزيد من الخصوم، لكن صانع القرار في السعودية يرى أن الرد كان رسالة قوية وضرورية إلى الدول الأخرى كي تعي أن التدخل في الشؤون الداخلية السعودية خط احمر لا يمكن تجاوزه. من الواضح أن التصعيد الغربي ضد السعودية لم يتوقف رغم القطيعة الشديدة بين الرياض واوتاوا، فالتصعيد الألماني مستمر ضد السعودية، حيث عقدت وزارة الخارجية الألمانية مؤتمرا حول السلام والأمن والاستقرار في اليمن، دون أي تنسيق مع التحالف، أو الحكومة اليمنية، أو دعوة احدهما إلى حضور تلك المشاورات، رغم أن التحالف العربي تدخل في اليمن بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 وطبقا لإرادة الشرعية الدولية، ودعم من القوى الدولية الفاعلة. وبالرغم من موقف إدارة ترامب المساند للسعودية، الا أن مجلس الشيوخ الأميركي أقر- في خطوة تصعيدية مشروع قانون لإنهاء دور الولايات المتحدة في دعم التحالف الذي تقوده السعودية في حربه على اليمن. ويرى بعض الأكاديميين انه يمكن اعتبار الولايات المتحدة جزء من التصعيد الغربي ضد السعودية، فهي أول من حرض الشركات العالمية على مقاطعة مؤتمر الاستثمار، الذي جرى في الرياض، ومن المحتمل أن يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتواصل سرا، مع قادة الدول الغربية الكبرى لإحراج السعودية، حيث أن كافة المؤشرات تشير إلى أن الولايات المتحدة، هي المستفيد الأكبر من الضغوط التي تتعرض لها السعودية، لان الرياض سوف تلجأ إلى واشنطن لتعويض ما تفتقده ولتوفير الدعم اللازم، وهو ما يعني أن أميركا تدعم الضغوط الغربية على السعودية لكي تنقذها في نهاية المطاف. يبدو أن الدول الغربية استوعبت الدرس الكندي جيدا، لذلك تجنبت تكرار التجربة الكندية، لكنها ابتكرت طريقة جديدة للتصعيد ضد السعودية تقوم على مبدأ قريش، عندما خططت لقتل النبي محمد عن طريق أرسال مجموعة من الفتيان يمثلون كل القبائل ليضربوا محمد ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل كلها، وحينها لا يستطيع بني هاشم التأثر لدم محمد. هكذا فعلت الدول الغربية في تصعيدها الأخير ضد السعودية من خلال الاتحاد الأوربي، حيث أدرجت المفوضية الأوربية السعودية في القائمة السوداء للدول التي تشكل تهديدا لدول الاتحاد، بسبب تهاونها مع تمويل الإرهاب، وغسيل الأموال. إن إدراج السعودية في القائمة السوداء امر بالغ الخطورة، من حيث الإساءة إلى سمعة ومكانة الرياض الدولية، ومن حيث العواقب، التي ستترتب على ذلك الإجراء الخطير. ونتيجة للإدراج، سيُطلب من المصارف والكيانات الأخرى، التي تغطيها قواعد الاتحاد الأوروبي لمكافحة غسل الأموال أن تطبق "العناية الواجبة" على العمليات المالية، التي تشمل العملاء، والمؤسسات المالية من البلدان المدرجة في القائمة السوداء، لتحسين التعرف على أي شكوك حول مصادر تدفقات الأموال. إن من شأن هذه الخطوة أن تشكل انتكاسة جسيمة للسعودية في الوقت الذي تسعى فيه الرياض إلى تعزيز سمعتها ومكانتها الدولية لتشجيع، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية على المشاركة في خطة تحول ضخمة يقودها الأمير الشاب ولي العهد محمد بن سلمان تسمى رؤية المملكة لعام 2030م، وتهدف الرؤية إلى التنمية، وتحسين العلاقات الاقتصادية، والمالية للمؤسسات السعودية. وعلى الرغم من معارضة فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا واليونان لإدراج الرياض في القائمة السوداء، الا أن المفوضية الأوربية أصرت على تمرير الإجراء، وربما عزز ذلك الترحيب الألماني المتحمس لعملية الإدراج. ويتطلب إقرار مبادرة المفوضية موافقة البرلمان الأوربي والدول الأعضاء ال 28 في الاتحاد خلال فترة أدناها شهر وأقصاها شهرين من تاريخ الإدراج، ومع ذلك فإن فرص الإلغاء ضئيلة جدا حسبما صرح مسؤولون أوروبيون لصحيفة الفايننشال تايمز البريطانية. يبدو أن المفوضية الأوربية أدرجت السعودية في القائمة السوداء بناء على دوافع سياسية، خاصة وأن الإجراء يأتي في ظل حملة من الضغوطات الدولية التي تستهدف السعودية، وتوصف اللائحة الأوروبية المثيرة للجدل بأنها اتخذت معايير ملتبسة تجاوزت صلاحيات منظمة مجموعة العمل المالي المختصة بالتصنيف الوحيد المعتمد دولياً بشأن غسيل الأموال. ومما يزيد الشكوك في مصداقية الاتحاد الأوربي انه يغض النظر عن دول معروفة بدعم الإرهاب وغسيل الأموال مثل إيران وتركيا وقطر. ففي الوقت الذي تقر فيه دول الاتحاد الأوربي بدعم إيران للإرهاب نجدها تسارع في إنشاء كيان قانوني يهدف إلى مواصلة التجارة بين دول الاتحاد وإيران، لا سيما شراء النفط الإيراني، مما يمثل تحديا واضحا للعقوبات الأميركية المفروضة على طهران. وعلى اية حال، فان معارضة العديد من الدول الأوربية الأعضاء في الاتحاد من ضمنهم فرنسا وبريطانيا يشير إلى أن ثمة دوافع سياسية تكمن وراء إدراج السعودية في القائمة السوداء، وذلك بهدف الضغط والابتزاز السياسي ضد الرياض. خامسا: العواقب المترتبة على إدراج السعودية في القائمة السوداء: الضغوطات الدولية على السعودية- بما فيها الإدراج في القائمة السوداء للدول التي تشكل تهديداً للاتحاد الأوربي- ترمي إلى تحقيق أغراض سياسية منها الحد من تعاظم قوة وتأثير المملكة العربية السعودية، أو السيطرة والتحكم في صناعة القرار السياسي للرياض، من خلال الضغط على صانع القرار عبر مجموعة من التدخلات، والتهديدات، والعقوبات، أو التلويح باستخدام العقوبات إن تطلب الأمر. وعلاوة على ذلك يبدو أن الضغوطات ترمي إلى إرغام صانع القرار السياسي في السعودية إلى تقديم المزيد من التسهيلات المالية لصالح القوى الغربية المهيمنة، وربما تهدف الضغوطات أيضا إلى إعاقة الخطط الطموحة المتمثلة في المشروع العملاق الذي يقوده ولي العهد الأمير/ محمد بن سلمان، والذي يهدف إلى جعل المملكة قوة إقليمية كبرى رائدة في محيطها العربي والإسلامي، وهو ما لن تسمح به القوى الدولية الكبرى، لأن الغرب يريد من السعودية أن تكون حليفاً ضعيفاً مجرداً من مصادر القوة والتأثير. إن عملية إدراج السعودية في القائمة السوداء للدول، التي تشكل تهديدا للاتحاد الأوربي سيقود إلى مجموعة من العواقب السياسية، والاقتصادية، والمالية، فمن المتوقع أن يتأثر حجم التدفقات الاستثمارية السعودية سلبًا، كما سوف ينعكس ذلك على الاستثمارات الأوربية في السعودية. على ضوء قرار المفوضية الأوروبية، سيتعين على بنوك الاتحاد الأوروبي إجراء فحوص إضافية واعتماد ضوابط أكثر تشددا على المدفوعات المتعلقة بالأفراد والمؤسسات المالية المنتمية إلى الدول المدرجة في القائمة السوداء، وذلك بهدف تحسين رصد أي تدفقات مالية مشبوهة، مما يعني أن قيودا إضافية ستفرض على التعاملات المالية بين دول الاتحاد الأوربي والسعودية. بالإضافة إلى ذلك، فإن من شأن القرار الأوروبي أن يعقد الإدراج المحتمل لجزء من أسهم شركة أرامكو السعودية العملاقة في بورصة لندن، كما قد يعقد إدراج الرياض في القائمة عمل الصناديق الاستثمارية السعودية في دول الاتحاد الأوروبي، وتدفق رؤوس الأموال الأوروبية إلى سوق الأسهم السعودية. أن عملية ادراج السعودية في القائمة الأوروبية قد تكون لها انعكاسات سلبية اقتصاديا وماليا، ومن ذلك مقاطعة بعض البنوك للرياض كونها مدرجة بالقائمة، إلى جانب مراقبة كل العمليات المالية معها، وممارسة ضغوط أكبر عليها. إن ما يثير القلق بالفعل هو أن تكون عملية إدراج السعودية في القائمة السوداء جزء من مخطط كبير يرمي إلى تقييد الودائع المالية السعودية الضخمة في المصارف الغربية، كما حدث مع العراق وليبيا، وربما قد يكون الإدراج جزء من مخطط يهدف إلى ابتزاز صانع القرار السعودي إلى الموافقة على منح الغرب صحة أكبر من عوائد النفط السعودي الضخمة. بيد أن الخطر الأكبر من الإدراج يتمثل في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي يشمل السعودية حسب تسريبات بعض المصادر الأميركية، وهو ما يعني نشر الفوضى الخلاقة في السعودية، وإعادة رسم الخارطة بناء على مخططات الشرق الأوسط الجديد، كون تقسيم السعودية إلى عدة دويلات مطروح أميركياً منذ عقدين ونيف، وهناك خرائط للمملكة في مصادر أميركية، مثل مجلة الجيش الأميركي في 2007، وهي مقسمة إلى خمس دويلات. في 29 سبتمبر 2013م، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ذائعة الصيت خرائط تقسيم السعودية متضمنة مقالاً يحلل فوائد التقسيم الجديد على امن المنطقة وأمن المصالح الأميركية. سادسا: خيارات المواجهة: بالرغم من الإمكانيات الضخمة التي تتمتع بها السعودية، الا أن خيارات الرد على الضغوطات الغربية محدودة للغاية، وذلك لان السعودية باتت محاصرة أو محاطة بالأعداء العقائديين مثل شيعة العراق وشيعة البحرين والحوثيين في اليمن، فضلا عن مجاميع شيعية داخل السعودية نفسها، إذ لا يمكن للرياض أن تخوض معركتين في آن واحد، معركة مع أعدائها العقائديين والإقليميين، ومعركة مع القوى الغربية الكبرى. وعليه فإن الخيار السليم لصانع القرار السعودي هو التعامل بدبلوماسية لمواجهة الضغوطات الغربية. هناك تجربة جيدة خاضتها الرياض في التعامل مع الأمم المتحدة عندما أدرجت الأخيرة المملكة في قائمة العار السنوية لمنتهكي حقوق الأطفال. لقد استطاعت الرياض إقناع الأمين العام للأمم المتحدة بإزالة السعودية من القائمة عن طريق الحوار والدبلوماسية. ينبغي أن لا تعاد التجربة السعودية الكندية مرة أخرى لأنها تخلق مزيداً من الأعداء الدوليين. في حالة المفوضية الأوربية نلاحظ أن خيارات الرد السعودي صعبة ومعقدة، إذ لا يمكن للرياض أن تدخل في مواجهة مع دول الاتحاد الأوربي لان حسابات الخسارة ستكون أكبر من حسابات الربح، ولذلك ينبغي على الرياض أن تتعامل بمرونة وحكمة مع قرار المفوضية الاوربية. من الأفضل لصانع القرار السياسي في السعودية اعتماد الوسائل الدبلوماسية لمواجهة الضغوط الأممية والضغوطات الغربية. أن لغة المصالح في عالم السياسة هي اللغة الدائمة، التي من خلالها يتم إيجاد الحلفاء والأصدقاء والمتعاونون، وعليه فان السعودية تمتلك ما لا يمتلكه غيرها من وسائل التأثير، والمطلوب فقط هو حسن استخدام المصالح فيما يجلب المنافع أو يدرأ المتاعب. اما فيما يخص تعامل الرياض مع أعدائها العقائديين والإقليميين، فانه من الأفضل التعامل معهم بحزم وجدية، لأن بقاءهم أقوياء قد يؤدي- في نهاية المطاف- إلى تقويض سلطة العائلة الملكية السعودية أو على الأقل إضعاف دور الرياض وخفوت مكانتها الدولية.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

علي أحمد العِمراني

2024-05-18 23:21:11

"3-5" حقائق عن اليمن

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد