العملية الإجرامية والحادث الإرهابي الذي حدث ضد المصلين في مسجدين بنيوزيلندا.. تعامل معه قادة الغرب كحادث عرضي مستهجن يحدث في أي مكان، ولم يحاولوا ربطه بالثقافة المسيحية ولم يدعوا إلى مراجعة نسخ الإنجيل أو تطهير الكنائس أو مهاجمة البابا.. حتى البابا نفسه- الذي تم استقباله في جزيرة العرب كرجل السلام الأول والتسامح في العالم وبحفاوة غير مسبوقة وتم تأسيس العديد من الكنائس بمناسبة زيارته وسمّي هذا العام بعام التسامح- هذا البابا نفسه كلما قال على ذلك الحادث الإرهابي- الذي سقط فيه ما يقرب من خمسين من المسلمين- بأنه ( عنف لا معنى له). طبعاً موقفهم هذا يختلف تماماً، فيما لو كانت الحادثة عكسية، بمعنى أن يكون المهاجم مسلماً والضحايا من المسيحيين أو غيرهم من غير المسلمين.. فتخيلوا معي لو كانت الحادثة عكسية فعلاً، فماذا سيكون موقف قادة وحكومات العرب بالذات؟ سيذرفون الدموع أكثر من أسر الضحايا أنفسهم، ليس رحمة منهم ولا حزناً، بل تقرباً إلى الدول الغربية وخوفاً منها كذلك.. ستتحول الكثير من القنوات الإعلامية العربية إلى منصات محاكمة للفكر والتراث والثقافة الإسلامية بالكامل.. سيتسابق الكثير من (المفكرين) العرب والذين لهم مشكلة مع الإسلام إلى توجيه التهمة للمساجد ولصحيح البخاري ومسلم ولتراث السلف،.. ستنصب المشانق لابن تيمية وابن الجوزي وغيرهم من علماء الامة.. سترتفع الدعوات إلى تطهير المساجد باعتبارها منطلقاً للإرهاب- كما قال هاني بن بريك ذات يوم-.. ستتم الاعتقالات للكثير من الخطباء وأئمة المساجد ولطلاب حلقات القرآن وإغلاق الكثير من الجمعيات الخيرية أو ما تبقى منها واعتقال القائمين عليها.. وكل هذه الأفعال والأقوال ستندرج تحت عبارة الدعوة (إلى إعادة ترشيد الخطاب الديني) ومكافحة الإرهاب.. باختصار شديد، ستمارس الحكومات العربية أعمالاً وتصرفات ترجع الحكومات والمنظمات الحقوقية الغربية نفسها تحتج على تلك التصرفات. ومن الإنصاف القول إن المسلمين في الكثير من الدول الغربية يمارسون عباداتهم وأنشطتهم الإسلامية بحرية كاملة أفضل مما هو مو جود في العديد من الدول العربية. رحم الله ضحايا ذلك الهجوم الإرهابي وألهم أهلهم الصبر والسلوان.. فهل هناك دولة عربية أو أكثر من الدول الغنية تبادر بمواساة أُسر الضحايا وتقديم العون لهم كما تفعل عندما يكون الضحايا من غير المسلمين ؟؟
د.كمال البعداني
ماذا لو كانت الحادثة في نيوزيلندا عكسية؟ 1289