قبل أيام مرت علينا الذكرى الرابعة لانطلاق العمليات العسكرية لقوات "التحالف العربي في اليمن" والتي انطلقت في 26 مارس آذار 2015م تحت شعار "عاصفة الحزم" ثم "إعادة الأمل" وقد أعلن إعلام التحالف حينها أنها تسعى لـ" إعادة الشرعية وإنهاء الإنقلاب" وأنها لن تستمر سوى عدة أسابيع.! اليوم.. بعد أربع سنوات من التدخل العسكري للتحالف في اليمن، جاءت ذكرى انطلاق هذا التحالف مع حملة إعلامية تبناها الإعلام السعودي وإعلام حكومة هادي لشكر قيادات التحالف والإشادة بالتدخل العسكري بوصفه أوقف "المد الإيراني" و"أنقذ اليمن من الانزلاق في الهيمنة الإيرانية" وغيرها من المفردات التي تحاول إضفاء المشروعية على هذا التدخل العسكري وتبرير استمراره في اليمن تحت لافتة "محاربة إيران" و " إيقاف المد " الإيراني في اليمن . والتساؤلات التي تطرح نفسها في هذه المناسبة : هل فعلا أعادت العلميات العسكرية للتحالف "الشرعية " إلى اليمن؟ وهل أنهت "الإنقلاب"؟ هل- فعلاً- أوقفت العمليات العسكرية للتحالف "المد الإيراني" في اليمن؟ • لا عادت الشرعية ولا تم إنهاء الإنقلاب .!! عند النظر إلى الواقع اليمني اليوم سنجد أن قيادة " الشرعية " ممثلة بعبد ربه منصور هادي ما تزال في الرياض ولا تستطيع حتى العودة إلى مدينة عدن التي أعلنها عاصمة مؤقتة لليمن، ناهيك عن العودة إلى العاصمة صنعاء.. صحيح أن التحالف نجح في إخراج الحوثيين من معظم المحافظات الجنوبية التي استولوا عليها سابقاً، لكن الأوضاع في الجنوب لم تستقر بعد بل انزلقت إلى دوامة متواصلة من الفوضى والعنف، حيث قامت الإمارات في مارس آذار 2016م بإنشاء "قوات الحزام الأمني بعدن" ثم قوات "النخبة" في محافظات حضرموت وشبوة المهرة وهذه القوات ما تزال مليشيا موالية للإمارات وتتلقى تمويلها منها ولا تخضع لسلطة الحكومة اليمنية بل لقد قامت "قوات الحزام الأمني" بعرقلة الحكومة الشرعية في عدن كما شنت حملة عسكرية ضد ألوية الحماية الرئاسية بعدن والموالية لهادي وذلك في فبراير شباط 2017م حيث استولت على معسكراتها وسيطرت على أسلحتها بدعم من طيران الأباتشي الإماراتية . كما قامت قوات الإماراتية بعدن و" قوات الحزام الأمني " بعرقلة وصول طائرة هادي إلى عدن ومنع وصول الأموال المطبوعة إلى البنك المركزي بعدن ولمدة 17 مرة كما أعلن البنك عن ذلك في مذكرة رسمية صدرت عنه في مطلع مارس آذار 2018م ونشرتها وكالة " أسوشتيد برس " ومن هنا يتضح أن التدخل العسكري للتحالف لا أعاد الشرعية إلى اليمن ولا أنهى الإنقلاب المتمثل بسلطة جماعة الحوثي في صنعاء والتي ما تزال قائمة وتسيطر على معظم المحافظات في شمال اليمن بل لقد قامت قوات التحالف في عدن بعرقلة عودة قيادة الشرعية إلى عدن وعرقلة عمل حكومة هادي في كثير من الأحيان فهل نجح التدخل العسكري للتحالف في إيقاف "المد الإيراني" كما يؤكد في إعلامه وتصريحات قياداته ؟! • هل أوقف التحالف "المد الإيراني" في اليمن ؟! إذا كان الكثير من المراقبين يعتبرون جماعة الحوثي هي الحليف الأساسي لإيران في اليمن وهي ركيزة نفوذها، فإن الجماعة المسلحة اليوم ما تزال بعد أربع سنوات من التدخل العسكري للتحالف العربي تتمتع بقوة عسكرية كبيرة بل لقد انتقلت من وضع الدفاع إلى الهجوم وطورت منظومة عسكرية من الصواريخ الباليستية القادرة على الوصول إلى مدن سعودية في العمق السعودي وصارت تشكل تهديداً كبيراً للسعودية لدرجة أن وزير الخارجية الأميركي/ مايك بومبيو، صرح- قبل أيام- بأن "زيارة السعودية باتت خطراً على الجميع وأن " الصواريخ الإيرانية التي يطلقها الحوثيون إلى داخل السعودية باتت تعرّض حياة السعوديين وحياة كل من يسافر إلى السعودية للخطر " كما أن جماعة الحوثي قامت- مؤخراً- بتطوير سلاح فعال وهو سلاح " الطائرات المسيرة " وقامت بتفعيلها كقوات استطلاع وكطائرات مقاتلة وهي تهاجم باستمرار مواقع القوات الحكومية في الداخل اليمني كما هاجمت طائرتان مسيرتان تابعتان الحوثيين- مساء الثلاثاء الماضي - مدينة خميس مشيط السعودية.. وبحسب وسائل الإعلام السعودية فقد تم اعتراض هاتين الطائرتين وقد تضررت منازل وسقط جرحى في عملية الاعتراض كما قامت طائرة مسيرة تابعة لجماعة الحوثي في 10 يناير كانون الثاني 2019م بمهاجمة قيادات الجيش اليمني في قاعدة العند الجوية بلحج، خلال فعالية تدشين العام التدريبي الجديد وقد قتل 4 جنود وأصيب عشرة من الجنود كما أصيب رئيس أركان الأركان الفريق/ عبد الله النخعي واللواء/ فضل حسن- قائد المنطقة العسكرية الرابعة- واللواء/ صالح الزنداني والذي توفي فيما بعد متأثراً بإصابته، كما توفي أيضا اللواء/ محمد طماح رئيس الاستخبارات العسكرية، متأثراً بإصابته في تلك العملية كما أصيب محافظ لحج اللواء/ عبد الله التركي ومسئولون آخرين وهذا دليل على أن الحوثيين- حلفاء إيران في اليمن- قد انتقلوا- بعد أربع سنوات من التدخل العسكري للتحالف في اليمن- من الدفاع إلى الهجوم فمتى تم إيقاف النفوذ الإيراني في اليمن؟!! • سياسة فاشلة تقوّي حلفاء إيران الكثير من المتابعين يرون أن سياسة التحالف العربي الفاشلة في اليمن قد أدت إلى تآكل التحالف نفسه وتقلص أعضاء المشاركين فيه وتحوله من تحالف كبير إلى تحالف بين السعودية والإمارات ليس إلا كما خسر الدعم الأميركي والأوربي وخسر الرأي العام العالمي وخسر الشعب اليمني، الذي بات ينظر للتحالف، كقوة احتلال كرست الفوضى والعنف كما يحدث في عدن وبات أبناء اليمن في محافظة المهرة يتظاهرون رفضاً لانتهاك السيادة اليمنية من قبل القوات السعودية التي تتواجد في هذه المحافظة البعيدة عن الصراع العسكري لأهداف لا علاقة لها بمحاربة النفوذ الإيراني، حيث تقوم بمد أنبوب نفطي من منطقة الخراخير السعودية إلى ميناء نشطون اليمني على البحر العربي . الكثير من المراقبين يرون أن هذه السياسة الفاشلة للتحالف، قد أدت- أيضاً- إلى تآكل سلطة حكومة الشرعية التي اختطف التحالف قرارها السياسي كما تآكلت شعبية هادي وكل هذا أدى إلى تكريس سلطة جماعة الحوثي في المناطق، التي تسطير عليها، والتي تتمتع بوضع أمني أفضل بكثير من بعض مناطق الحكومة الشرعية، كما أدت هذه السياسة الفاشلة للتحالف- بحسب المراقبين- إلى تعزيز جماعة الحوثي لمكتسباتها بفضل صمود مقاتليها في الجبهات وتماسك الجماعة ككتلة واحدة منسجمة وهو ما اعترف به البرلماني بحزب الإصلاح/ محمد الحزمي- الذي قال قبل أيام في لقاء مع "قناة اليمن" التابعة لحكومة الشرعية - " إن جماعة الحوثي موحدة لأنها جماعة واحدة متجانسة". وإضافة إلى صمود مقاتليها في الجبهات، أظهر الفريق السياسي الحوثي في المفاوضات وغيرها، نجاحاً كبيراً وحقق الكثير من المكاسب كما أدت سياسة التحالف الفاشلة وأجندته المكشوفة للسيطرة على أراضي اليمن وموانئه وجزره وانتهاك سيادته والبقاء فيه تحت لافتة "محاربة المد الإيراني" وضعف الشرعية وسلبية قيادتها إلى تعزيز مكاسب جماعة الحوثي وتقوية موقفها. وإذا كان لإيران في اليمن حلفاء من غير جماعة الحوثي التي تعتبر- بحسب الكثير من المراقبين- الحليف الرئيسي لها، وهم بعض القيادات والشخصيات الجنوبية، فإن من المرجح أن التواصل الإيراني معهم ما يزال سارياً.. وهنا يحق لنا أن نتساءل: متى تم إيقاف "المد الإيراني" في اليمن؟! • أكذوبة إيقاف المد الإيراني في اليمن الحقيقة التي بات يدركها الجميع أن التحالف السعودي الإماراتي غير جادٍ بمواجهة إيران في اليمن وقد اتخذ من "محاربة إيران في اليمن" و"إيقاف المد الإيراني في اليمن" مجرد ذرائع للتدخل العسكري في اليمن وضمان بقاء قواته فيه واستمرار سيطرته على مناطق شاسعة باليمن حتى تحقيق كل أجندته وأهدافه التي ليس من بينها "محاربة إيران" ولا "إيقاف المد الإيراني في اليمن" وإنما هذه مجرد شعارات ولافتات يرفعها التحالف كجزء الدعاية الإعلامية التابعة له، بينما على أرض الواقع تتعزز سلطة حلفاء إيران في اليمن وتزداد قوتهم بفضل عوامل كثيرة من أبرزها سياسة التحالف الذي يقول إنه جاء لمحاربة إيران في اليمن.!! * باحث متخصص في الشأن الإيراني
محمد مصطفى العمراني
التحالف وأكذوبة القضاء على " المد الإيراني " في اليمن ! 1248