مع كل غروب، أفكر فيما إن كان لا يزال بوسعنا الحصول على جمهوريتنا اليمنية بديمقراطيتها وماهي عليه ومقاسنا الملائم. كأنني- منذ سنوات- بعد حادثة سيارة ملقى في مكان مكتظ بالحشائش والجذور وطنين الأذنين، كل شيء إلا أنا.. لكن.. وفي غمرة هذا الذهول، ثمة وعي غريزي ويقيني أنني سأستعيدني وأتبين أناي بعد مضي الوقت الكافي لشخصية الارتطام. نحن نمضي هذه السيكلوجيا ويمدنا التشوش بالمزيد، حيث الجنوب ماضٍ لمصيرٍ وصراعٍ يخصه، والإخفاق في لملمة آثار الحادثة يفصح عن نفسه كل لحظة، وثمة جلبة تحاول إقناعك بضياع كل شيء، وتحدق في السحاب فتلمح خارطتك الوجودية تتشكل مثل إيمائة مساندة تذكر الملقى أن تلك هي بلاده حتى لا يفقد ذاكرته. اليمن ليست أمتعة مسافر لتضيع بسبب خطأ وتهور في تجاوز شاحنة، إنها قصة حياة أبدية ستظل وإن فقد أشخاصها ذاكرتهم.. في النهاية سيجد المحتالون أنفسهم بحاجة إلى الصواب وينتهي كل منشق بنزعته الطائفية والمناطقية لليقين أن خلاصه لن يتحقق إلا بالعودة للبيت الكبير. بعد الارتطام.. يبدو كل ما تناثر عن الحادثة وكأنه أقوى منك، وأن رفاق الرحلة سيتخذون طرقاً متباينة ويمضي كل منهم لاقتفاء قدره وحظه، ستجدهم عند المغرب ينتظرونك في الباب، وقد اختبروا طموحاتهم وأمجادهم وفق ممكنات ومزايا لحظة انحراف.. قلت هذا سابقاً، أعرف. لكنني سأقوله هكذا فهو تمتمات صلاة المحاصر.. ما يحميني كل ليلة لم يعد غير ثقتي المطلقة في اليمن، وأراقب الفرص المقدمة واطمئنان المحظوظين لجنتهم الطارئة مرددين: "ما أظن أن تبيد هذه أبداً".. ونبتسم أنا وبلادي مثل صوفيين في مقام العرفان، أظننا سنختبر المزيد من عمليات التجريب وتبديل الولاءات، لكنها ستكون- وفقا لمحمود درويش- : "لكم مجدكم ولنا مجدنا".. لنا المجد عرش على أرجل قطعتها الدروب التي أوصلتنا.. إلى كل بيت.. سوى بيتنا على الروح أن تجد الروح في روحها أو تموت هنا.. في حال بقيت متضعضعا وعلى درجة من الاستجابة والاعتماد على الوقائع التي تؤكد ضياع كل شيء، يجدر بك إزاحة عقلك المشوش والإصغاء لروحك الصافية، هي تؤمن باليمن.. هكذا دون دليل مادي. مسألة وقت صدقني، ستجدهم يوماً يتزاحمون عند بوابة بيتنا الكبير ومن ملامحهم ثمة تساؤل جماعي مرير.. ما الذي فعلناه بأنفسنا؟
د. طالب محمود ياسين الخفاجي
مع كل غروب 857