لا أدري- وأنا أتابع مشاورات السويد- كيف قفزت حكاية (سالم) إلى مخيلتي هذه الليلة، رغم أني سمعتها في الطفولة من جدتي رحمها الله. حيث كان هذا (سالم) يمتلك مزرعة جميلة في إحدى المناطق الريفية، لكنه- للأسف- أهملها ولم يعتني بها جيداً أو يعمل على حمايتها من السيول.. وفي فترة من الفترات أمطرت السماء مطراً غزيراً استمر أياما وتدفق بسببه سيل كثيف في السائلة التي تفصل سالم عن مزرعته. فقرر سالم المخاطرة وعبور السائلة وسط السيل. من أجل الوصول إلى مزرعته ومحاولة إبعاد السيل عنها بكل الطر.. أخبر أسرته بقراره فحذروه من اجتياز السيل الجارف، فقال لهم لا تخافوا فقد وعدني عيال الحاج ( فرحان) الذين يسكنون في الضفة الأخرى من السائلة أنهم سيساعدونني ويقفون معي وسوف يقذفون لي بحبل قوي أمسك به وهم سوف يشدوني إلى الجانب الأخرى والوصول إلى مزرعتي. وهنا صاحت الأم وقالت.. ألم تجد إلا أولاد فرحان؟ هؤلاء يا ابني ما يعصب بهم راس ولا قد نفعوا أحد، نكبوا عيال فلان وعيال فلان وعيال فلان كم اعد لك يا ولدي من ضحايا وأنا عمري يقترب من التسعين وعارفة بكل حاجة هؤلاء من أيام جدك وهم طامعين بالمزرعة حقنا. بحجر الله ـأبعد لك منهم وشوف لك طريقا ثانية.. فقال لها سالم قد تغيروا كثير يا أمي وقد طبعوا وجوههم لي أنهم با يوقفوا معي إلى النهاية مهما كان الأمر.. المهم خرج سالم من بيته وقرر العبور وفعلاً قذف له أولاد فرحان بطرف الحبل وأمسك به بصعوبة .. طلب منه أولاد فرحان أن يطويه على جسمه جيداً ففعل. بدأ باجتياز السيل، بينما أفراد الأسرة يراقبون الموقف ويضربون سلام لأولاد فرحان في الجانب الآخر ويقولون شكراً يا عيال فرحان، شكراً يا عيال فرحان.. لن ننسى موقفكم معنا فيرد عيال فرحان الذين كانوا يمسكون بالطرف الآخر من الحبل ويشدون سالم.. ويقولون هذا واجبنا ولا شكر على واجب. وبعد اجتياز سالم لمسافة بسيطة من السائلة العريضة لا حظ أفراد أسرته أن عيال فرحان بدأوا يتصرفوا تصرفات غريبة مع سالم، فمرة يرخون الحبل ومرة أخرى يسحبون سالم في الاتجاه العكسي.. وسالم المسكين يتلبج وسط السيل وبدأ الماء يدخل إلى جوفه وهنا يصيح أفراد أسرة سالم الذين يراقبون المشهد ويقولون شدوا الحبل يا عيال فرحان يا منعاه.. فيشد عيال فرحان الحبل فيقول أفراد الأسرة، شكرا عيال فر حان فيردون هذا واجب ولا شكر على واجب. . طال الوقت وسالم وسط السيل والبرد وقد أوشك على الهلاك وعيال فرحان يمارسون نفس الأساليب.. وبعد جهد جهيد وتشجيع أفراد الأسرة اقترب سالم من الوصول إلى الجانب الآخر .غير أنه وفي تلك اللحظة قام عيال فرحان بترك الحبل من أيديهم وألقوه في الماء.. فسحب السيل (سالم) وأخذ يقذف به في كل اتجاه وهو موثق بالحبل ولا يستطيع الحركة، بينما أخذ عيال فرحان يجرون في محاذاته وهم يصيحون (بجم) يا سالم (بجم) يا سالم، أي اغلق فمك جيدا حتى لا يدخل ماء السيل إلى جوفك.. يريدون أن يسمعهم أفراد الأسرة على انهم يوجهون النصح لسالم ولم يتخلوا عنه .. لكن الأم المسكينة التي كانت تتابع ما يحدث أولا بأول. صرخت وقالت، الله يسامحك يا سالم أنا عارفة من أولها وأنا قد حذرتك من عيال فرحان وقلت لك رحلك منهم.. هؤلاء مقد بيضوا وجه مسلم ولا أقالوا عثرة .. ودعتك الله يا سالم والله يكتب لك الخير وحسبي الله على عيال فرحان ... رحم الله جدتي التي حكت لي هذه الحكاية في طفولتي ولا تزال في ذاكرتي حتى الآن #كمال_البعداني
د.كمال البعداني
مشاورات السويد و بجم يا سالم. 1409