مرحلة الطفولة هي المرحلة التي من المفترض أن يسعد الطفل فيها بحياته، حيث اللعب واللهو والابتعاد عن منغصات الحياة وعن صخب الدنيا وما فيها من مكدرات مرحلة السعادة، كما يقول عنها علماء النفس، وتتكون فيها الذكريات الجميلة، وكذلك تبنى فيها القواعد التي تقام عليها الشخصية الإنسانية، لتحديد ما سيكون عليه هذا الطفل في المستقبل، ليعيش حياته في أمن وطمأنينة واستقرار، ولذلك للطفل حقوقه، كما نصت على ذلك الشرائع السماوية والقوانين الدولية. ويجب التعرف على الأطفال الذين تيتّموا أو انفصلوا عن أسرهم، وحمايتهم، بالإضافة إلى توفير المرافق الخاصة التي تضمن سلامتهم البدنية. كما يجب تلبية احتياجاتهم في مجال التعليم. ومن الضروري، في الوقت ذاته، اتخاذ كل التدابير الملائمة لتسهيل لمّ شمل العائلات التي انفصلت مؤقتاً. إضافة إلى ذلك، تجب معاملة الأطفال المحتجزين بسبب نزاعات مسلحة معاملة إنسانية، كما ينبغي عدم تفرقتهم عن أفراد أسرتهم. وفي حال تعذر ذلك، ينبغي عزلهم عن كبار السن من الأسرى أو المحتجزين. ويهدف القانون الدولي الإنساني إلى الحد من أثر الحرب على الأطفال. ومن المؤسف أن تكون طبيعة نزاعات اليوم نفسها تعني ضرورة إقدام اللجنة الدولية وغيرها على بذل مزيد من الجهود الحثيثة في الميدان، من أجل إنقاذ الأطفال من براثن الحرب، ومساعدتهم على بدء حياة جديدة بعد انتهاء النزاع. ولكن السؤال؛ هل كل هذا يطبق حسب ما تنص عليه قوانين حقوق الطفل، وفي عصر الحضارة والمدنية وحقوق الإنسان؟.. في ضوء ذلك كله، هناك أطفال في عالمنا هذا هم معنا، لكنهم لا يعيشون الحياة التي يستحقونها، فتكون طفولتهم شقاء وشعوراً بالخوف والهلع والأحلام المزعجة، يبحثون عن الغذاء فلا يجدونه.. أطفال محرومون من التعليم، معرضون بشكل خاص لأخطار في النزاعات المسلحة. ورغم الحماية التي يمنحها القانون الدولي للأطفال، لا يزال تجنيدهم على يد الميليشيات والجماعات المسلحة مستمراً، وغالباً ما يفصلون عن أسرهم، أو ينتزعون من بيوتهم، أو يتعرضون للقتل أو التشويه أو الاعتداء الجنسي أو أي شكل من أشكال الاستغلال. في عالمنا العربي، حروب تنتشر في اليمن وسوريا والعراق وفلسطين حيث يتعرض فيها الأطفال، مثل البالغين، لمواقف وتجارب حياتية مخيفة وخطرة وخارجة عن سيطرتهم، قد تصيبهم شخصياً أو تصيب المحيطين بهم. فما بين جروح بليغة، وبتر أطراف، وحروق، وتشوه، وقتل، يقع الطفل في غياهب اضطرابات نفسية مختلفة، تنتج عن الصدمة التي تعرض لها، وتؤدي به إلى اضطرابات في التفكير والسلوك والعواطف، وأهم من ذلك كله عملية غسل الأدمغة لهؤلاء الأطفال. ومن قصص هؤلاء الأطفال، قصة تحولت فيها بنات المواطن اليمني/ محمد عالي- في نظره- إلى مجرد «سلعة»، بعد أن تأزمت ظروف الأسرة المادية بسبب النزاع الدائر في البلاد. زَوَّج الأبُ اثنتين من بناته (14 سنة و13 سنة) للاستعانة بالمهر لتوفير الحاجيات الأساسية للأسرة. إن قلبه «ينزف من الداخل»، ولولا الفاقة التي تخنق الأسرة لما زوّج طفلتيه.. ويخشى هذا الأب أن يضطر لتزويج طفلته الثالثة، ذات الـ12 عاماً، للأسباب ذاتها. لذا كان لزاماً أن يستفيد أطفال الحروب من الحماية العامة، المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني، على غرار المدنيين أو المقاتلين.. وينص هذا القانون- أيضاً- على أحكام خاصة، تقرّ بحالة الاستضعاف والاحتياجات الخاصة للأطفال في النزاعات المسلحة، ولا يزال الأطفال يخضعون للتجنيد على يد الجماعات المسلحة، وهؤلاء الأطفال ينتهي بهم الحال إلى حمل السلاح، كما يمكن استخدامهم لأداء أدوار داعمة، مثل حمل الإمدادات أو جمع المعلومات الاستخبارية، ما يعرضهم لمخاطر جمة. ولا يخفى علينا أن الآثار النفسية هي من أشد الآثار وطأة في حياة الطفل؛ إذ تستمر معه للمستقبل. وتقول كورين أدلر- من عيادة الطب النفسي- إن كثيراً من كبار السن عاشوا في ظل ذكريات مؤلمة.. وأضافت إنه في بعض الأحيان تظهر صور ذهنية، ولكن بشكل عام، فإن هذه الذكريات تخرج عادة على شكل مشاعر الحزن أو الخوف أو الرعب، كما يمكن أن ينتج عن ذلك شعور بالصداع أو إحساس بالانقباض في منطقة الصدر. وهناك أضرار نفسية كثيرة تصيب أطفال الحروب
د. شمسان بن عبدالله المناعي
أطفال الحروب... ماذا ينتظرهم؟ 1066