لم يكن شيئاً يميز يوم السابع والعشرين من نوفمبر بالنسبة للكثير من السوريين، فكل شيء يشير إلى أنه لا جديد على ساحة العراك والسجال والجدال بين مؤيد للجولاني ومعارض له، لكن تحت جنح ظلام ذلك اليوم، كان تاريخ يُكتب من جديد، تاريخ ليس لسوريا الجديدة فقط، وإنما للمشرق العربي كله، تكتبه دمشق، التي هي عز الشرق كله، حسب وصف الشاعر أحمد شوقي رحمه الله.
سبق هذا هجوم صهيوني على مقر عمليات حزب الله في منطقة كريتين شرقي إدلب في السابع من نوفمبر، أي قبل عشرين يوماً على هجوم الجولاني. قمت بزيارة المقر بعد تحريره على أيدي مجاهدي جيش الأحرار بقيادة أبي صالح الطحان، والذي كان يعد جزءاً من غرفة عمليات ردع العدوان. كان المقر قد دُمر بشكل كامل وسُوي بالأرض تماماً، كانت وجوه أهالي المنطقة تعلوها البسمة والفرحة، بعد تهجيرهم منها لخمس سنوات.
داخل مدينة حلب الكئيبة بحكم آل الأسد لأكثر من نصف قرن، كانت تجري عملية أمنية معقدة، عملية هزّت العواصم المعنية، قبل أن تهزّ المدن السورية، كما سيظهر لاحقاً، إذ تمكن جهاز الأمن العام التابع للجولاني من اختراق النظام المجرم، بحيث زرع عملاءه في داخل غرفة عمليات المنطقة الشمالية، فتمكنت من الوصول حتى إلى مقر اجتماع قادة المحاور القتالية من آفس في الجنوب إلى شمال حلب، وبينما كان أكبر القادة الثمانية المسؤولين عن هذه المحاور في اجتماعهم لتدارك الأوضاع العسكرية الأخيرة للمنطقة، كانت العصائب الحمراء، وهي القوات الخاصة للجولاني، وتٌعرف بالعصائب الحمراء نسبة إلى الصحابي سماك بن خرشة أبو دجانة، الذي أخذ السيف الذي كان يعرضه النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر على الصحابة، قائلاً من يأخذه بحقه؟، فأخذه أبو دجانة، بعد أن وضح له النبي عليه السلام أن حقه أن يضرب فيه هامات الكفار حتى ينكسر.
زرعت العصائب الحمراء الرعب في نفوس العصابات الأسدية وحلفائها طوال السنوات الماضية، وذلك من خلال العمليات النوعية التي اضطلعت بها، ولا أنسى يوماً في لقاء مع كشافة شبابية، حين سألت أحدهم ماذا تحب أن تغدو في المستقبل، فأجابني دون تردد، جندياً في العصائب الحمراء.
وبالعودة إلى العملية الأمنية المعقدة في حلب ، فقد تمكن عناصر العصائب الحمراء من خلال اقتحامهم غرفة العمليات بالتنسيق مع عملائهم في الداخل، من قتل كل من حضر في الاجتماع عبر مسدسات كواتم للصوت، وخرجوا من العملية ليخبروا القيادة العامة بإنجاز المهمة، ولكن لظروف لوجستية تأخر الإخبار بإنجاز العملية لساعة كاملة، كانت قيادة عمليات ردع العدوان والتي تضم قادة الفصائل المنخرطة في المعركة قد اتخذت من مكان حصين في الشمال المحرر مقراً لعملياتها، لكن بدا عليها التوتر لوصول خبر مقتل قادة العمليات، ومع وصول الخبر بنجاح عملية تصفية كبار المجرمين، تم تفجير النفق الذي لم يكتمل والذي بلغ طوله 700 متر باتجاه مقر العصابات الأسدية، وكانت زنة التفجير أكثر من طن من المتفجرات، مما خلق حالة من التخبط والفوضى، ومعه بدأ هجوم المقاتلين، فتمكن كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 350 مقاتل من هزيمة 30 ألف من جنود عصابات أسد.
عنصر المفاجأة والمبادة فاجأ الجميع، وانهارت دفاعات حلب، وتخبطت قيادات النظام السوري والإيراني التي غدت بلا رأس يقودها، ولا أحد يرد على الضباط على الأرض مع فصل الرأس عن الجسد، وتبع هذه العملية استهداف قائد القوات البرية الإيرانية الجنرال كيومرث بور هاشمي في حلب عبر طائرة درون الشاهين المحلية الصنع التي سهرت هيئة تحرير الشام لأكثر من خمس سنوات على تصنيعها، وهنا انهارت القوات الإيرانية وحليفاتها من المليشيات الطائفية العابرة للحدود..
هذا النجاح العسكري الباهر سبقه تعفن داخل منظومة النظام السوري إن كان باستخدام الكيماوي، أو من خلال استنزاف قواته ومقاتليه وضباطه طول السنوات الماضية من الثورة، بينما كان يعتمد النظام على تجنيد الأشخاص العاديين من الشوارع، ممن ليس لديهم خبرة قتالية، أو دافعية للقتال، وهو ما تحدث عنه الجنود الهاربون الذين كان يتم جمعهم من شوارع حمص وغيرها من المدن.