لا على كف القدر، ولا وفق السياسات المرسومة، تمضي اليمن، كأنها هائجة دونما زمام للإمساك بها، ودون اعتبارات لواقعها الأليم الذي تعيشه، لا نُخب يمنية خالصة، ولا جيش حقيقي يتمتع بالقوة الرادعة، ولا قيادة فعّالة تصنع الفرق، وهي بين الانقلاب الغاشم والشرعية المترهلة، متذبذبة، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كُتب لها أن تعاني، وقد عانت بما فيها الكفاية، واستزادت منه حتى أوشكت أن تتلاشى إلى الأبد. مؤلمٌ للغاية، أن يجد بلد برمته نفسَه خارج حسابات أبنائه، الذين يتصارعون عليه وليس له، ولأجل إرضاء مموليهم، ولتحقيق مآرب لا صلة لها باليمن على الإطلاق، وإلا لما كان ربيع الحرب مزهرًا على الدوام! لا يزال اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة في موت سريري، ذهب كاميرت وجاء لوليسجارد، فالأول الذي كان يحاول فعل أي شيء يضاف إلى سجلات نجاحه الأممية، خلفه جاء ولم يفعل شيئاً، وظلت المنظمة الدولية طريقها، وهي تحابي الحوثيين؛ آملةً أن يوافقوا على بعض من مقترحاتها التي تعطي المليشيا أفضلية كبيرة على الأرض، وتلك مهمة جسيمة تستحق الرحلات المكوكية بين مسقط وطهران والرياض وأبوظبي وصنعاء وعدن! لا توجد ملامح لاتفاق نهائي بشأن الحديدة، ولا بشأن أي اتفاق يفتح أبوابه للسلام في اليمن؛ فعصابة صنعاء في عيش رغيد ورزق وفير، لم تكن تحلم به من قبل، وبنكها وفروعه عامرٌ بمليارات الريالات بحسب مصادر برلمانية، ورواتب الموظفين القاطنين في مناطق سيطرتها لم تُصرف رواتبهم منذ عامين ونصف، وهذه جريمة متكاملة وكافية للحكم على المليشيا الحوثية أمميًا، إذ تصادر حق ملايين اليمنيين في راتب يوفر لهم أولويات العيش. في الواقع، وفي ظل المحاباة الأممية، وغض الطرف دوليًا، لم نعد ندرك شيئًا مما يجري، فالحوثي المُحَاصر برًا وجوًا وبحرًا، يصول ويجول، يحتل التباب ويعتلي الجبال، ويجتاح منطقة وراء منطقة، ويسيطر على المناطق ذات الوقع الأعلى قوةً وكثافةً سكانيةً وأهميةً جغرافية، وكأنه بدأ حربه للتو، إذ لم يتأثر بتناثر مقاتليه على امتداد البلاد، في الجوف والبيضاء وصعدة وتعز والحديدة ومأرب. أن تكون الشرعية ممثلة بمؤسساتها المدنية والعسكرية في أوج قوتها، فإنه يمكن القول بأن الانقلاب بدأ يتلاشى، ووُضع في موقف حرج، أما أن تكون هناك خطوة لتثبيت دعائم الشرعية وتقابلها عشر خطوات لتمدد الانقلاب وإعادة تموضعه، فإن الأمر جدير بإثارة استفهامات عديدة لا نهاية لها.. الرغبة في إتمام مشروع القضاء على انقلاب الحوثي، بحاجة إلى إرادة حقيقية يجب أن تتجلى في توجهات التحالف العربي الداعم، وفي إطار توحيد الصفوف بين المكونات السياسية الداعمة للشرعية، بما يضمن عدم حدوث أي انحراف قد يعرقل هدف التحرير في أي وقت. دخلنا في سبات عميق، الحرب وحدها من تتحكم في المشهد، ونحن نراقب غير مدركين لشيء مما يحدث، فالآلة صاحبة الموقف، تعبث وتعيث وتعربد وتفعل بنا ما تريد، وتجارها في صنعاء وعدن، ينتظرون فواكه الفصول الأربعة القادمة من عواصم إقليمية بطرود دولية.. من كان يتوقع أن الحرب ستأخذ كل هذه المسارات، وبأن هناك من يستمتع بها، ولا يريد لها أن تنتهي، لأن كوابيسهم ستبدأ فور انتهائها. تفتقد اليمن لمنقذ يذود عنها حقًا، يناضل ويكافح، يتحدث عما يجري دونما قيود، يتناول الوضع كما هو لا لإرضاء القائد الفلاني ولا الشيخ العلاني ولا لأجل دولة قتبان أو معين. يكفي هذه الأرض معاناتها، وأنين أبنائها الذي ضج الآفاق، مالئًا بمأساتهم الكون.. وهل يعني ذلك شيئًا للمتحاربين هنا وهناك؟
محمد علي محروس
اليمن والبحث عن المنقذ! 765