سيكتشف الجميع أن إيقاف تحرير الحديدة ومنع استعادتها من أيدي الحوثيين كانت عملية خارج المنطق الذي يطالب بإنهاء الحرب، فقد قلبت موازين المعركة والأمن الإقليمي والحل السياسي رأساً على عقب. وسواء كانت محسوبة سلفاً بهذا المحتوى، أو أنها فقدت عناصر زخمها في مرحلة معينة، المهم هو أنها كانت نقطة تحول سلبية في المسار نحو استعادة الدولة، وما سيؤدي إليه ذلك من تداعيات على أكثر من صعيد.. ١- فالمعركة بهذا التحول فقدت الإيقاع الذي كانت تتحرك به نحو إنهاء الحرب وتحقيق السلام الذي يتطلع إليه اليمنيون، حيث تحوّل المسار العام للمعركة بصورة بدا معها أن الاندفاع نحو استعادة الدولة قد فقد قدراً كبيراً من شروطه، وكان لذلك أثره في تمكين الحوثيين، ومن خلفهم الإيرانيين، من إعادة بناء استراتيجيتهم القتالية واختيار ميادين القتال بدرجة كبيرة من الاطمئنان إلى أن الجبهة التي كانت تستنزفهم وتشكّل المصدر الحقيقي لكسرهم قد تجمدت، ولم يعد هنالك ما يشكّل مصدر إزعاج لهم بعد أن تكفل المجتمع الدولي بحراسة هذا الوضع بإعلان السويد، وعلى النحو الذي شاهدناه في الرحلات المكوكية للمبعوث الأممي بحثاً عن وسيلة لإقناع الحوثيين بالانسحاب من ناحية ومساومة الشرعية والتحالف من ناحية أخرى، واجتماع اللجنة الرباعية، وأخيراً الإعلان عن إعادة الانتشار من طرف واحد في بادرة لم يشهدها العالم منذ أن أسس القانون الدولي تشريعاته في فك المنازعات، مع تجاهل الطرف الآخر في التسوية بتلك الصورة التي راح أحد المسئولين الأمميين فيها يردد- بدون اكتراث- من "أن الحكومة اليمنية ستنفذ التزاماتها عندما يطلب منها ذلك"، غير مكترث للاعتراضات التي أعلنتها الحكومة. ٢- وما شهده بحر العرب، وفي المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، من تفجير للسفن السعودية، وتبجح ايران ووكلائها ممن لمحوا وصرحوا وأعادوا تصريحات ظريف، التي أطلقها في أميركا بشأن أن الحرب "ستشمل الجميع"، هي واحدة من تداعيات هذا الوضع الذي نشأ في الحديدة باعتباره مكسباً ذا قيمة جوهرية للمشروع الإيراني، رغماً عن كل ما تردده الدبلوماسية العالمية ذات الارتباط الوثيق بالوضع في اليمن من تطمينات. لا بد أن نعترف أننا خسرنا من أيدينا أهم عنصر في معادلة القوة والمواجهة مع المشروع الإيراني في هذه البقعة من ميدان المعركة الواسع، وإزاء هذا الوضع لن يقف هذا المشروع بزخمه الذي اكتسبه من هذا التحول الخطير في النطاق الجيوسياسي الذي تدور فيه المعركة، ففائض القوة التي وفرها له تجميد معركة الحديدة نقلته إلى أفق أوسع، موظفاً الذرائع الناشئة عن صراع إيران مع الولايات المتحدة الأميركية لأسباب ظاهرها المشروع النووي وباطنها إعادة صياغة التحالفات الاستراتيجية في آسيا والشرق الأوسط مع ما توفره روسيا والصين والهند من ديناميات مقاومة للسياسة الأميركية وما يراود أوربا من مخاوف بشأن مجاهيل السياسة الأميركية في ظل إدارة ترمب. ٣-وأخيراً يصبح الحديث عن السلام الذي يحقق الأمن والاستقرار في اليمن في ظل دولة أمنة وقوية ومستقرة ضرباً من الخيال في ضوء ما أسفرت عنه المتغيرات التي أحدثها انتزاع الحديدة من معادلة فرض السلام الذي كان يمكن أن تنشأ عنه دولة بهذا المفهوم، فما الذي يا ترى يجعل الحوثيين يقبلون الآن بمثل هذ الدولة وقد كانت متاحة بمخرجات الحوار الوطني وهم في هذا الوضع الذي جعلهم يتحدثون عن إعادة انتشار من طرف واحد؟
د.ياسين سعيد نعمان
تداعيات إيقاف تحرير الحديدة 1291