الحلقة الأولى بعد أيام من مُوافقة السعودية ودول خليجيّة على انتشار قوات وسُفن أميركيّة على أراضيها وفي مياهها، دعا الملك السعودي/ سلمان بن عبد العزيز، لعقد قمتين خليجية وعربية طارئتين لقادة الدول العربية بمكة المكرمة في 30 مايو أيار الجاري وحتى الآن باستثناء الإمارات والبحرين وموريتانيا لم تعلن الكثير من الدول العربية الاستجابة لهذه الدعوة السعودية رغم أهمية الظروف التي تعيشها المنطقة على وقع التصعيد العسكري والإعلامي الأميركي الخليجي مع إيران. * السياسة السعودية عقود من التيه والتخبط والفشل واذا كنا لم نتأكد حتى الآن من مدى نجاح انعقاد هاتين القمتين، فإن ما هو مؤكد أن السعودية خسرت محيطها العربي والإقليمي والدولي رغم امتلاكها لإمكانيات التأثير والحضور العربي والإقليمي والدولي إلا أن السياسة السعودية الفاشلة قادت هذه المملكة الغنية إلى دوامة من الأزمات والتحديات التي صارت تهدد نظامها فإذا كان بني إسرائيل قد عاشوا مرحلة التيه 40 عاما فإن القيادة السعودية قد تجاوزت 40 عاما من التيه بكثير وما تزال تواصل سياسة الفشل والتخبط وتثير الحروب والأزمات وتشعل الحرائق والنكبات في المنطقة ومن ينظر إلى جوار السعودية الجغرافي يجد أنها لم تبق لها دولة حليفة - باستثناء الإمارات التي تستخدمها لتحقيق أجندتها في المنطقة كما يحدث في اليمن - فصارت محاصرة بحلفاء إيران من كل جانب وفي هذه السلسلة من المقالات سأوضح كيف خسرت السعودية بسياستها الفاشلة دول العالم ومنها الدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها جوارها الجغرافي. * السعودية خسرت العراق وتحاول العودة إليه ! مولت السعودية الحرب الأميركية على العراق عام 2003م وهي حرب كارثية على الشعب العراقي وعلى المنطقة فقد أودت بحياة أكثر من مليون عراقي ناهيك عن الجرحى والمشردين وتدمير دولة كانت من اقوى دول المنطقة علمياً وعسكرياً، إضافة إلى أن هذه الحرب وتداعياتها أثارت الفرقة بين الدول العربية وعززت الهيمنة الأميركية على المنطقة والذي حدث بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين أن السعودية بدلا من احتواء العراق ومد جسور التواصل معه حكومة وشعبا ومعالجة آثار الحرب تركته بجراحه وآلامه ساحة مفتوحة لإيران التي اقتنصت الفرصة التاريخية واستثمرت اللحظة وتمددت في العراق وعمقت علاقاتها بقياداته وأجادت التواصل مع نخبه وفق خطة استراتيجية فاعلة ومدروسة فصنعت لها نفوذا كبيرا في العراق وتوجت إيران حضورها في العراق مؤخرا بزيارة للرئيس حسن روحاني على رأس وفد كبير بتأريخ 11 مارس آذار 2019م حصد فيها الكثير من الإنجازات والمكاسب ووثقها باتفاقات ملزمة والآن تحاول السعودية العودة إلى العراق عبر بوابة العلاقات الاقتصادية والتجارية والمساعدات المالية وحتى هذه العودة المتأخرة جدا مشكوك في تحقيقها نجاحات تذكر كون الحضور السعودي في العراق يفتقر لخطة عملية واقعية ومشروع استراتيجي مدروس ولم يحض بقبول كامل من الحكومة والشعب العراقي بمختلف توجهاته إذ أن هناك قناعة لدى العراقيين بأن هذا الحضور السعودي في هذا التوقيت إنما يستهدف محاصرة النفوذ الإيراني في العراق وليس توطيد العلاقات وتعزيز التعاون مع العراق كجار وبلد عربي شقيق. * السعودية تخسر اليمن أيضا ! مثلت اليمن إلى ما قبل سنوات ساحة نفوذ سعودية وحديقة خلفية لها ومع هذا فإن التخبط والفشل والتيه والذي يعد ماركة مسجلة للسياسة الخارجية السعودية جعل السعودية تخسر اليمن أيضا وبدلا من بقاء اليمن ساحة خلفية السعودية ودولة حليفة للسعودية دعمت السعودية التحرك المسلح للحوثيين ومولته وكان الاتفاق بين السعودية وايران كما حدث في لقاء وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ووزير الخارجية الإيراني/ محمد جواد ظريف في نيويورك بالولايات المتحدة بتاريخ 21 سبتمبر أيلول 2014م والذي استمر لأكثر من ساعة وتم الاتفاق على دعم التحرك المسلح للحوثيين ودخول صنعاء لإسقاط ما أسموه يومها "القوى التقليدية " في اليمن والعودة إلى صعدة سالمين غانمين وصدقت القيادة السعودية بغبائها التاريخي المزمن أن التحرك الحوثي المسلح سيصب في مصلحتها وسيكون بحسب الاتفاق الذي تم مع الجانب الإيران والذي حدث أن جماعة الحوثي استفادت من الدعم السعودي الإماراتي وضربت القوى التي كانت حليفة للسعودية وخرجت عن نص الاتفاق وواصلت تقدمها في المناطق اليمنية مستفيدة من رغبة الرئيس السابق صالح للانتقام من خصومه ولذا مهد الطريق للحوثيين على أمل أن يستخدمهم هو بعد ذلك لتحقيق أهدافه كما استخدمهم كواجهة للانتقام من خصومه، بعد خروج جماعة الحوثي عن النص وضرب حلفاء السعودية تدخلت السعودية عسكريا تحت لافتة " التحالف العربي لدعم الشرعية وإنهاء الانقلاب " وبعد أربع سنوات من الحرب التي غابت عنها الجدية السعودية في حسم المعركة مع الحوثيين عسكريا وتصفية جبهات الجيش الوطني وعرقلة الشرعية وتقييد قرارها وعرقلتها والالتزام بالتوجيهات الأميركية بخفض التصعيد في اليمن وترك الساحة اليمنية للأمم المتحدة وبريطانيا الساعية لتقوية الحوثيين وبعد خسارة السعودية لمئات المليارات لم يعد الهدف للسعودية من الحرب في اليمن هو " إعادة الشرعية إلى صنعاء " كما كانت تصرح ولا حتى " إعادة الشرعية " إلى عدن بل صار هدف السعودية هو ضرب محطات انطلاق الطائرات الحوثية المسيرة التي تهاجم السعودية وحتى هذه المهمة فشلت فيها السعودية وصارت كافة مناطقها عرضة للقصف والاستهداف من الطائرات الحوثية المسيرة والتي قصفت قبل أيام محطتي نفط لارامكو في المنطقة الشرقية وحدد الحوثيون 299 هدفا في السعودية سيتم استهدافها وبدأوا فعلا في تنفيذ هذا الاستهداف ويبدو أن السعودية بعد أربع سنوات من الحرب في اليمن تحت لافتة محاربة النفوذ الإيراني ستضطر في النهاية إلى تسليم شمال اليمن للحوثيين " حلفاء إيران " مقابل التعهد بعدم استهداف أراضيها والانسحاب من حدودها كما سترضى بتسليم جنوب اليمن لحلفاء الإمارات مقابل استمرار العلاقات معها وستحاول التواجد في شرق اليمن كما يحدث في المهرة وهو تواجد غير مضمون بسبب الرفض الشعبي الكبير له والذي قد يصل مستقبلا إلى ثورة مسلحة ضد القوات السعودية وهكذا خسرت السعودية اليمن بسبب فشل سياستها وتخبطها. * السعودية تخسر الكويت! الكويت الدولة الخليجية المعروفة بانتهاجها سياسة الحياد الإيجابي ودعم الأمن والسلم والتعاون العربي والعالمي وجهودها الداعمة لكل المبادرات الإنسانية والخيرية في العالم، فضلا عن عقلانية قيادتها وحكمتها وسعيها الدائم لحل مشاكل المنطقة هذه الدولة خسرتها السعودية أيضا ودخلت معها مؤخرا في أزمة بسبب حماقات محمد بن سلمان ونزقه ومغامراته فاقمت الخلافات حول حقول النفط المشتركة والمناطق الحدودية ورغم محاولات التقريب الأميركية بين البلدين لايجاد جبهة خليجية ضد ايران إلا هذه الخلافات وتباين وجهات النظر في قضايا المنطقة ورفض الكويت الغير معلن للسياسة السعودية الحالية في المنطقة ورفض السعودية لمساعي أمير الكويت صباح الأحمد تسوية الخلاف السعودي القطري والوصول للحلول وسط ومحاولات محمد بن سلمان إملاء شروط معينة على دولة الكويت فيما يخص الأزمة مع قطر وإضافة إلى أزمة حقول النفط المشتركة المزمنة كل هذه العوامل جعلت السعودية تخسر الكويت أيضاً رغم ما كان بينهما من أواصر الإخاء والجوار والمواقف والمصير المشترك.! * السعودية تخسر قطر!! تميزت دولة قطر بسياسة مغايرة للسياسة السعودية الإماراتية في قضايا المنطقة وخصوصا موقف قطر الداعم لثورات الربيع العربي ورؤيتها للتيارات الإسلامية وفي مقدمتهم جماعة الإخوان حيث ترى أنهم قوى وطنية يمكن القبول بهم والتواصل معهم والاعتراف بحقهم في إدارة الدولة في اي بلد اذا وصلوا إلى السلطة فيها بطريقة سلمية وعبر انتخابات نزيهة بينما ترى السعودية والإمارات بأنهم قوى ظلامية تنتهج الإرهاب والعنف وتصنع التطرف والخراب ويجب تصنيفهم في قوائم الإرهاب ومحاربتهم بكل السبل والوسائل ودعم اي قوة تحاربهم ولو أدى الأمر إلى خراب البلدان وفساد العمران وصبت الحرب ضدهم لمصلحة ايران هذا باختصار هو جوهر الخلاف السعودي الإماراتي مع قطر وهو خلاف كان يمكن استيعابه وتقبل رؤية قطر وسياستها ولكن لفشل السياسة السعودية وتخبطها فقدت قادت حملة دولية ظالمة ضد دولة قطر وتبنت تحالف خليجي وعربي لمقاطعتها واستهدافها سياسيا وإعلاميا واقتصاديا فخسرت دولة جارة وشقيقه هي قطر وشقت بهذه السياسة الفاشلة مجلس التعاون الخليجي وعمقت الانقسامات في الصف العربي وبالمقابل وفي ردة فعل متوقعة قادت قطر حملة إعلامية عربية ودولية ضد السعودية أفقدتها الكثير من مكانتها وعوامل قوتها وتأثيرها وجعلت قطر تلجأ مكرهة إلى إيران وتعزز تواصلها معها وتمنحها منبرا إعلاميا وحضورا كبيرا في المنطقة فهل تلام قطر حين لجأت إلى إيران وهل من العدل أن يلوم الأخ أخاه اذا طرده من المنزل فبات عند الجيران؟!! * خسائر متلاحقة وتخبط متواصل لقد خسرت السعودية العراق واليمن والكويت وقطر وسلطنة عمان وتركيا وسوريا والأردن ولبنان وليبيا والمغرب والكثير من دول المنطقة والعالم نتيجة سياستها الفاشلة وتخبطها حيث حاربت السعودية كل الدول الحليفة والجماعات والتيارات السنية التي كانت تواليها ومحسوبة عليها كما حاربت كل الشخصيات الموالية لها وواصلت سياستها المتسمة بالتخبط والفشل والارتباك ولنا في رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وهو حليف تاريخي للسعودية في لبنان عبرة حيث جاؤوا به إلى الرياض وأذلوه واجبروه على تقديم استقالته ثم سجنوه وأهانوه ثم أفرجوا عنه في تصرف غريب وأهوج خصم من رصيد الحريري وقوى من موقف خصومه.! وبينما تجيد إيران صناعة الحلفاء وكسب الدول والجماعات والشخصيات أو على الأقل تحييدها تجيد السعودية صناعة الأعداء وضرب الحلفاء وكسر شوكتهم وخلق المشاكل والنكبات وإشعال الحرائق والأزمات بسبب سياستها الخاطئة ومشاريعها الفاشلة وافتقادها لقرارها السياسي وارتهانها للأميركان وافتقارها للمشروع السياسي الاستراتيجي الفاعل وللرؤية الصحيحة الثاقبة تجاه قضايا المنطقة وبسبب هذه السياسة الفاشلة التي تنتهجها جرت السعودية على دول المنطقة الكثير من الكوارث والنكبات وخسرت الكثير من الدول وصارت تعيش أزمات وتحاصر حدودها بالمشاكل والخصوم والأعداء وحتى حربها ضد النفوذ الإيراني في المنطقة تصب في أغلبها لصالح ايران وحلفائها في غباء تاريخي منقطع النظير. وفي الحلقات القادمة سنواصل الحديث عن خسائر السعودية وغباء قيادتها وفشلها وتخبطها مقابل دهاء إيران وانتهازية الأميركان. وكيف ستتحول جهود السعودية الحالية ضد إيران إلى مصلحة لإيران وستكون هي الخاسر الأكبر من كل هذا التصعيد الأميركي ضد إيران؟! يتبع...
محمد مصطفى العمراني
كيف خسرت السعودية دول المنطقة وتحولت حربها على النفوذ الايراني لمصلحة إيران ؟!! 1181