أغلب الجنوبيين ما صدَّقوا ولقوا خصوماً يلقون عليهم فشلهم وخيبتهم، فلا تعثر على منشور أو أخبر أو أزمة أو حتى حادث عرضي إلا ويُنسب فاعله لجماعة الإخوان أو نائب الرئيس "علي محسن" أو الوزير "المقدشي" أو التاجر "حميد الأحمر" وهكذا دواليك... ومثلما يُقال: أعمى ولقي خرزة " فبالأمس القريب كان الغريم التاريخي للجنوب والجنوبيين الرجعية والإمبريالية، ورفاقنا والله ما قصَّروا، فحتى ما كان يتحاشاه إعلام السوفيات أنفسهم، تبرَّع به الجنوبيون وبكرم فائض، إذ راح يلقي على أميركا وحلفائها ومن سار في فلكها أطنان التهم الجاهزة والمعلبة. وهات لك يا قدح ولعن للرجعية والإمبريالية، بل ولم يسلم أحد من مخالفيهم أو ارتد عن نهجهم، فكل ما حل هنا من ويلات ومصائب سببه أميركا ومن سلك في فلكها، فلم يبق شيء في حياتنا إلا وتسللت إليه مؤامرات أميركا وأتباعها من العملاء والمرتزقة. أضعنا دولة وبددنا فرصها ومقدراتها في مماحكات وصراعات وشعارات جوفاء، والنتيجة هي أننا وبعيد نصف قرن ويزيد على الاستقلال المجيد ما زلنا نلهج بذات الهتافات والعقليات ونفس الأماني والأحلام وإن اختلف الخصوم. نعم.. الجنوبيون ولا ملَّوا أو سئموا أو أقلعوا عن تحميل الآخرين أسباب أزماتهم ومشكلاتهم، فما أسهل حمل الشيطان لخطايا البشر، وأنجع وسيلة للجنوبيين هي حمل الآخرين لكل حادثة أو فشل أو أزمة كهرباء أو طاقة أو مرتبات أو سواها من المشكلات الحياتية اليومية.. فلا أحد سيقول لك صادقا: أن بلوى الجنوب ليست من أميركا أو الخليج أو الشمال أو الإخوان أو إسرائيل أو الشيطان، وإنما بلواه من فقدان الحرية والشفافية والعدالة والمساواة، وقبل هذه جميعاً، الإدارة الوطنية النزيهة الكفؤة القادرة على الخلق والإبداع والتطور..
كما ولا أحد يمكنه استساغة حقيقة أن معضلة مجتمعنا كامنة في غياب دولة المواطنة العادلة، وهي معضلة تاريخية لا تقتصر على بلد بعينه وإنما تجدها حاضرة وفي معظم البلدان العربية وإن تفاوتت مستويات المعيشة أو اختلفت في وسائل الرعاية والاهتمام. فما من شعب متخلف وممزق ومتناحر بالفطرة، فسواء كان هذا الشعب في أفريقيا أو أوروبا أو آسيا؛ تبقى المشكلة حصرية وجامعة ولا فرق هنا أو تمايز بغير لغة القوم أو سحنتهم أو طريقة إدارتهم لشؤونهم..