لا أظن أن الكثيرين بحاجة إلى توصيف الحال في اليمن، فالكل يعرف ما وصلت إليه البلاد من تمزّق وانقسامات ليس على المستوى المناطقي/الجهوي ولا على المستوى المذهبي/ الطائفي، فحسب، وإنّما أيضا على المستوى الفردي والنفسي. وما يلاحظ أن كل أطراف النزاع في اليمن، إذا حق لنا وصفهم هكذا، تحوّلوا إلى الاشتغال ضمن كارثة الحرب الحالية وكأنّها جزء من عادة لا فكاك منها. لهذا، هناك سؤال يلح بشدة أمام هذا التشظي والانقسام وهو: ألم يأتِ الوقت لينتبه الجميع ويعملون على إنقاذ اليمن، إنقاذهم لأنفسهم كيمنيين، أو كمشتغلين في السياسة، ويطمحون لتحقيق المزيد فيها ومنها؟ بل أقول إن السؤال يتسع أكثر ويصير ملحاً لدى كل الأطراف الإقليمية التي لها دور فاعل في اليمن وبشكل رئيس السعودية والإمارات وقطر وإيران. فآن الأوان لهذه البلدان، أيضاً، أن تنقذ نفسها في اليمن، آن لها أن تعيد الاعتبار لصورها السابقة لدى الشعب اليمني الذي كان يجلّها ويقدرها حق تقدير.. آن لها أن ترمّم صورها، مراعاة لمصالحها الآن وفي المستقبل، ولأمنها أيضاً، بعد أن تمزّقت هذه الصور في ذاكرة معظم أهل اليمن، حيث صاروا منقسمين في الموالاة بين هذه الدول، إلى حد العداء لأي دولة مخالفة للدولة الداعمة لهم. هكذا، آمل من القادة السياسيين والعسكريين اليمنيين أن يعملوا لتشكيل حركة إنقاذ يمنية تضم كل الأطراف، من أجل استعادة الدولة أولاً، استعادة اليمن وتحت أي ظرف، ومن ثم الترتيب لمرحلة انتقالية جديدة يتم في نهايتها إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. لستُ هنا لأشرح وأوضح المسببات التي أوصلت اليمن إلى ما هي عليه، أو من هم السبب وراء كل ذلك، لأنني أطمح لتجاوز كل هذا، إذ أن إقصاء أي طرف سياسي فاعل لا يؤدي إلى حل للمشكلة. مع هذا، من المهم التنويه إلى أن هناك أدبيات سياسية كبيرة أنجزها اليمنيون في السنوات الأخيرة، ومن ذلك مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي يمكن أن تكون منطلقاً لأي تشكل إنقاذي يهمه استعادة الدولة، على أن يتم الحوار في التفاصيل في ما بعد. أظن أن فكرة دعوتي هذه لتشكيل حركة إنقاذ يمنية لا تحتاج إلى مزيد من التفاصيل، فتقبُّل الفكرة من قبل المعنيين سيترتب عليهم إيجاد كل التفاصيل المطلوبة والتي تتضمن أسماء قيادة حركة الإنقاذ المدنيين والعسكريين وكيفية تشكيل حكومة تابعة لها. لا أظن أن من الضروري أن أقترح أن تكون قيادة الحركة من عشرة، أو خمسة عشر شخصاً، وتضم مدنيين وعسكريين (بهدف تحقيق الأمن)، ويتمثل فيها معظم القوى، كالأطراف الممثلة بالسلطة الشرعية، أو تلك القوى الفاعلة كالحراك الجنوبي والحوثيين، وأن لا يعيق تشكيل هذه الحركة رفض أحد الأطراف المشاركة فيها، فسيكون على الأقل، هناك شبه إجماع لاستعادة الدولة، على عكس ما هو عليه الحال الآن. في المقابل، أدعو جميع الأطراف الإقليمية لمساعدة اليمنيين في إيجاد هذا الحل الإنقاذي لما تبقى من كيان الدولة وإعادة تماسكها، وتقديم التنازلات الضرورية من أجل ذلك، فاستقرار اليمن، كما يبدو لي، يعني استقرار المصالح الاقتصادية والأمنية لجميع الأطراف الإقليمية. لأن المضي في توسيع الخراب، خراب اليمن، سيؤدي برايي إلى حروب كارثية لا حد لوجهتها الجغرافية. لقد آن الأوان، لتلمّوا ما تبقى من تمزق هذا البلد العزيز، العزيز بحضارته وتاريخه المشرق، العزيز بكرامته التي يحاول كثيرون أن يخضعوها. لقد اهترأت الأوضاع بشكل مفجع، وتحمّل اليمنيون كل ظروف القهر وسفك دماء أعز الناس لديهم. دُمِّرت آثار اليمن العظيمة وأنتشر الفقر بين ناسه الكرماء فأذلهم وأمرضهم وحوّلهم إلى شحاذين أمام بوابة العالم. ومع جبروت التسلط وإجهاض كل المحاولات التواقة لحياة مستقرة استسلم الناس لمصائر لا يعرفون ما هي. فاخجلوا من أنفسكم، أيّها المتحكّمون بمصائر اليمن واليمنيين، اعلنوا عجزكم عن عمل شيء لهذا الشعب العظيم، بادروا بالاستقالات إذا لم تستطيعوا عمل شيء لإنقاذ اليمن، واتركوا المجال لآخرين. هذا نداء أخير لإنقاذ اليمن، لإنقاذي أنا شخصياً. أنا الذي أظن أن أحلامي كلّها انهارت مع كل هذا الخراب الذي حصل ويحصل في اليمن، انهارت أحلام جيلي الذي لم يكن يحلم سوى بيمن معافى وعظيم. لقد كتبتُ الكثير من الكتب التي يظنونها ناجحة وترجمت رواياتي إلى مختلف لغات العالم، لكنني أشعر أنني لا شيء أمام وطني الذي ينهار، وصرتُ أخاف أن أصل إلى يوم أعرّف فيه نفسي بالقول إنني من بلد كانت تسمى اليمن. *روائي يمني
محمد علي المقري
هل آن الأوان لحركة إنقاذ يمنية؟ 1368