-١-
بمناسبة الذكرى السادسة والخمسين لثورة ١٤ أكتوبر المجيدة أعيد نشر هذا الجزء الأخير من "عبور المضيق" مع بعض التعديلات المضافة الى الطبعة الجديدة.
سأروي في هذا الجزء الأخير من كتاب "عبور المضيق" جانباً من سيرة شكلت محطة من حياة عاصفة بالأحداث، كان الحوار فيها هو مشروع العمر بالنسبة لي، حرصت، من طرفي على الأقل، بألا تكدرها خصومة الاختلاف ولا تستهتر بها نعومة الاتفاق.
الحياة للذين يعملون، تعج بالمواقف.. فيها الصح وفيها الخطأ. ونفس هذه الحياة، بحلوها ومرها، هي التي تفرز الصح والخطأ، ولو أنها في أحيان كثيرة لا تقوم بهذا الفرز إلا بعد أن تكون قد عاقبت كثيرين لا يستحقون العقاب، وكافأت آخرين لا يستحقون المكافأة.
بناء الأوطان هي وحدها التي لا يحب أن تنتظر فرز الحياة للصح والخطأ بمؤشر مرور الزمن، فالفرصة التي تضيع تبدد دهراً بأكمله، وتعرض أجيالاً للضياع. والحياة بطبيعتها لا يمكن أن تسير في خط مستقيم للوصول إلى الهدف المنشود.
في تفاعل منضبط مع مجرياتها، يكون هناك الخطأ وهناك الصواب.. وهما لا يتقرران على الورق، وإنما بالتطبيق على أرض الواقع، وبوجود الخطأ يعرف الصواب، ولو لم تكن هناك معرفة لما عرف للجهل معنى، كما لو لم يكن هناك قبح لما سمي الجمال جمالاً.. فالشيء يعرف بضده، و" بضدها تتميز الأشياء".
حياة البشر لا يمكن أن تستقيم إلا بوجود هذه النقائض معاً، وفي زمن واحد ومكان واحد، وفي إطار المجموعات سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو كل هذا معاً.. لا بد من وجود الفكرة والمختلف، ففي مثل هذا التعايش تبقى الحياة مفعمة بالحيوية.. المهم هو أن يعرف الناس كيف يديرون هذه التناقضات، وكيف يحلون الخلافات، والحياة التي تقبل بنواميس التعايش جديرة دائماً بفرز الصواب والخطأ، ويكون لزاماً على الذين أخطأوا أن يعترفوا بأخطائهم، غير أن ذلك لا يعني الهزيمة بأي حال من الأحوال بقدر ما يكون تعبيراً عن ارتفاع منسوب المسئولية في الفعل السياسي إلى درجة يصبح معها احترام الإرادة الشعبية قيمة من قيم الحياة.
التنوع الذي ظهر في مؤتمر الحوار هو ظاهرة صحية حينما يكون هذا الاختلاف، أو التنوع، قابلاً للوصول إلى صيغ مشتركة لتفاهمات تجسد الرغبة في العيش المشترك، فبلاد اليمن ستتحول إلى " وطن".. وقضية الجنوب سيبعث من يحملها بأفق لا يبتعد بها عن إرادة الناس، واليمن هو "الهوية" التي نعود إليها حاملين أثقال تاريخ من التناقضات والصراعات ما يجعلنا دائماً ميالين إلى الغضب من كل شيء، بحثاً عن لا شيء.
وللحديث بقية..