معلوم أنه لا يوجد ثوابت في السياسة ولكن هناك مصالح متغيرة، فـثوابت السياسة هي تغير المصالح كما قيل.. فلقد كان الإمام أحمد حميد الدين، من أشرس المحاربين للسعودية في الحرب التي جرت بين اليمن والسعودية عام 1934م أيام حكم أبيه الإمام يحيى حميد الدين. وقد انتهت تلك المواجهات بما عرف بـ(اتفاقية الطائف) والتي كانت بنودها نتيجة طبيعية لنتيجة الحرب. وبعدها بعام واحد حدثت محاولة اغتيال الملك عبد العزيز آل سعود في الحرم المكي على يد ثلاثة من بيت حاضر من ضواحي العاصمة صنعاء.. وقد وجه الاتهام لسيف الإسلام الأمير/ أحمد بن يحيى حميد الدين، الذي اعترف بذلك في قصيدته (الملحمة).. ومع ذلك كله وقف معه الملك عبد العزيز بقوة ضد ثورة 1948م بزعامة عبد الله الوزير . ثم وقف معه الملك سعود ضد ثورة 1955م في تعز والذي تزعمها سياسياً أخوه سيف الإسلام/ عبد الله ابن يحيى، وعسكرياً المقدم ـحمد الثلايا. كما وقف الملك سعود ومن بعده فيصل مع الإمام محمد البدر بن الإمام أحمد ضد ثورة 26 سبتمبر 1962م. وبعد أن استطاع الإمام أحمد القضاء على ثورة 1955م في تعز وإعدام قادتها وفي مقدمتهم أحمد الثلايا وكذلك قام بإعدام أخويه الأميرين/ عبد الله والعباس. شرح في قصيدة طويلة أو ملحمة مكونة من مائتين وثمانية وخمسين بيت، كما أوردها اللواء/ محمد علي الأكوع رحمه الله في كتابه (شخصية الإمام أحمد حميد الدين ورجالات عهده)..
ونستطيع القول إن تلك الملحمة قد أورد فيها الإمام أحمد السيرة الذاتية لشخصه.. منذ بداية انطلاقه في حرب الزرانيق وغيرها من الحروب حتى القضاء على ثورة 48م وثورة 55م مبينا فضله على أسرته وإخوانه وكيف أنهم غدروا به. مستعرضا لخصومه بالاسم من أعدم منهم ومن بقي أمثال الزبيري والنعمان والورتلاني وغيرهم.. كما تطرق إلى أشياء خاصه به وبشخصيته وشجاعته. وكذلك نال في قصيدته من عبد الناصر . وقدم شكره لآل سعود واعتذاره لهم من تهوره بإرسال من يغتال الملك عبد العزيز في الحرم المكي أثناء الطواف ..
وقد بدا ملحمته والتي اختار لها عنوان ( الحمد لله رب العالمين). بداها بقوله:
ألا إني بُليتُ بهاشميٍ
خؤوُلَتُه بنو عبدِ المدانِ
فضاق الأمر و "المنصور" مثلي
. ضاق به لأن أخي ابتلاني.
الإمام أحمد يتحدث هنا عن أخيه عبد الله الذي ثار عليه وأعدمه بعدها. والبيت هو للخليفة العباسي أبو جعفر المنصور وقد عدل به الإمام أحمد بعض الشيء فحوله من ولو أني بليت إلى ألا إني بليت . والطريف أن أخوال سيف الإسلام عبد الله هم بنو المداني نفس أصهار أبو جعفر المنصور. واستمر في قصيدته يشرح كل شي عمله وكل شيء واجهه إلى أن وصل إلى آل سعود فقدم لهم الشكر على وقفتهم معه والاعتذار على ما بدر منه فقال:
ولا آلو لآل سعود شكراً
جميعهم فكلهم رعاني
بعطف أو بنصح أو بمال
كذلك سلاحهم دوماً أتاني
فقد كانوا معي دوماً كراماً
وكانوا العون إذا خطب عناني
ففيصل أو سعود خير جار
وفي عبدالعزيز الجود جاني
ورغــم الــحقـد فـي يــوم عليه
وشـيـطـاني لـقـتـلـه قـد دهــاني
. فـقـد كـانــتْ مــؤامــرني عليه
إلى (الـبـيـت الحرام)ما خـزاني.
فــأرسـلـت الـرجـال لـكـي ينالواْ
حـيـاته جـانب (الــركن الـيماني)
. فــأنـجـى الله مـهـجته فأغضى
عن الـجرم الذي حمقي دعاني
فــوسـع حـلـمهُ مـن قـبح فعلي
وناصرني على من قـد عـداني
. وكان (سعود)عوناًحين أدمى
فؤادي حادث (الحوبان) عاني
. وخانني (الــثلايا)مع صنــوي (عــبـدالله)و(عــــبـاس)أذانــي
. فـــناصرني وأيـــدني بصدق
وعــون (البدر)منه فضل ثاني