بحسابات مختلفة، ومشاعر متناقضة.. وسط دموع وابتسامات، وهتافات باستقلال بريطانيا وأخرى مشحونة بتأوهات وشجن الفراق، غادرت بريطانيا الاتحاد الأوربي ليلة أمس ٣١ يناير ٢٠٢٠ الساعة الحادية عشرة مساء، بعد نصف قرن تقريبا من العضوية بدأت مع إدوارد هيث عام١٩٧٣ وبعده مارجريت تاتشر التي كانت متحمسة للانضمام إلى الاتحاد الأوربي قبل تبؤها رئاسة الوزراء، حتى عهد كاميرون والذي دعا إلى الاستفتاء المشهور عام ٢٠١٦، وجميعهم محافظون.
يقول المؤرخون لهذا الحدث إن بريطانيا كانت الدولة الأوربية التي التحقت بالاتحاد الأوربي وزرعت في نفس الوقت بذور الخروج منه، فظلت علاقتها بالاتحاد تنمو وتنمو معه دوافع الانسحاب بمعدلات متفاوتة. حتى استقر المعدل في نهاية المطاف لصالح الانسحاب.
واعتبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ( محافظون) الحدث بمثابة " فجر عهد جديد"، فيما جدد زعيم المعارضة العمالي جيرمي كوربن تحذيره من "نكوص بريطانيا إلى الداخل" ما يعني الخشية من أن يكون الانسحاب بمثابة مسار انعزالي يهدد علاقات بريطانيا الخارجية المستقبلي.
في نهاية المطاف، كانت الكلمة الأولى والأخيرة للناس. حاولت النخب السياسية ان تناور بمخرجات جانبية للديمقراطية في مواجهة كلمة الشعب التي قالها في استفتاء عام ٢٠١٦، لكن ردة الفعل كانت قوية في انتخابات ٢٠١٩ التي حسمت المسألة بصورة نهائية..
لا يعني هذا أن كلمة الناس لا تتأثر بالمنطق الذي تعرضه الأحزاب السياسية فيما تقدمه من خيارات وبرامج، كل ما في الأمر هو أن هناك من يجيد تقديم خياراته ويكسب ثقة الناخب، ولهذا السبب لا تنتهي مسئولية الحزب عند مفصل نجاح مشروعه، لكن عليه أن يبرهن للناخب صحة ومصداقية هذا المشروع فيما يحققه من نجاحات بعد ذلك على هذا الطريق.
تأتي الان مرحلة ما بعد الخروج والتي ستظل تحت رقابة الشعب بألياتها السياسية والاقتصادية والشعبية والإعلامية والقانونية، وهي آليات تتفاغل في إطار نظام ديمقراطي له معاييره المادية والروحية في تقييم الأداء بعيداً عن ضجيج الخطابة والخصومة.
سنة ٢٠٢٠ ستكون سنة انتقالية يتم فيها مناقشة مستقبل العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوربي اقتصاديا وتجارياً وأمنياً، وإنجاز ما تبقى من خطوات الانسحاب بما في ذلك حقوق الأوربيين المقيمين في بريطانيا، والبريطانيين المقيمين في أوربا. وستكون نتائج مفاوضات هذه السنة الانتقالية مؤشرا هاما لتقييم مجمل هذه العملية التاريخية. وهي التي سيتوقف على نتائجها ترجمة ما ذهب إليه كثير من البريطانيين بالقول : نحن غادرنا الاتحاد الأوربي ولم نغادر أوربا.