جارتي وصديقتي حياة، كانت تملأ الحي بالحياة، لم تكن ممن نسميهم بالملتزمين، وكانت في نظرنا امرأة عادية، محبة للحياة، والأنس والسلى..
أصيبت بسرطان الثدي وأجرت عملية لاستئصاله، وبعدها بسنة انتشر الورم في عظامها وكبدها ورئتيها.. ولما علمتُ بالخبر دارت بي الأرض، ورأيت الدنيا على حقيقتها، تافهة، لا تساوي شيئاً.. تذكرت أناقتها، وجلساتها، ومقيلها، وسمرها، ثقافتها، وحواراتها، وأنسها واستئناسها بالناس.
تواصلت معها وكلي حزن وألم وخوف، كيف سأواسيها؟ كيف سأفتح معها الموضوع؟
ومن أين أبدأ؟ وماذا أقول؟
قلت لها محاولة التخفيف عنها؛ هذا المرض لم يعد مخيفاً ولا خطيراً، وأصبح علاجه سهلاً ميسراً، وقد انتشر بشكل كبير جداً، فلست الوحيدة المصابة، أمي أصيبت قبلك وأبي أصيب بعدك.
وكانت المفاجأة التي لم أتوقعها؛ حدثتني بثبات وأنا أرتجف، شرحت لي حالتها وخطورة وضعها الصحي والعبرات تخنقني ولا تخنقها..
حدثتني عن الحياة وقد أخبروها أنها قريبة من الموت..
حدثتني عن الأمل واليأس يحاول أن يغرس أنيابه في قلبها..
ثم قالت: "الحمد لله، ما هو من الله حيّا به "، جملة حوت وجمعت كل معاني الرضا والاستسلام لأمر الله تعالى، إنه الإيمان الحقيقي الذي نفتقده..
إقشعر جسدي طرباً لحديثها وكلماتها..
وأنا لا أطرب لسماع كلمة مثلما أطرب لسماع كلمة الحمد لله من لسان مبتلى، ورأيت نفسي صغيرة جداً أمامها.
فكم نحزن وكم نتبرم وكم نسخط وكم نشعر بالضيق والكدر واليأس من أجل أمور تافهات، ونحن نرفل في نعم الله عز وجل صباح مساء.
توقفت عن الحديث معها، ثم عدت مرة أخرى لأجري معها حواراً سأنقل لكم نصه في المقال القادم بإذن الله تعالى..