لا أسوأ على النفس والعقل والاوطان من خوض معارك هامشية واستنزاف جهود مضنية في ضجيج لا حقيقة له، كالغرق في ملاحقة خيالات وأشباح ورسومات وأوهام، أو كالانشغال بترتيب أثاث بيت قبل رفع ركامه وإنقاذ من تحت أنقاضه، أو كالحديث عن تفاصيل عرس فتاة مصابة بالسرطان في غرفة العناية المركزة، وككل أمل مفرط أو أمنيات في غير وقتها وخارج ظروفها.
لا يمكن لذي عقل أن يقف ضد وحدة الصف الوطني على الإطلاق، ومن السفه اتهام ولوم من يحرضون على وحدة الصف وجمع الكلمة ولم الشمل، لكنه من طفرة القول وزوائد الحديث ومضيعة الوقت واستغباء الذات والمجتمع أيضا الحديث عن تكوين علاقات سياسية في حين أن تراب الوطن يعجن بدماء الأبطال البرره، لا يسأل مقاتل بطل من بجواره في "المترس" عن انتمائه السياسي، ولماذا يفعل؟! هل بلغ به الجنون أن يخلط بين المعركة القتالية بالمهرجان السياسي؟! " وليش سرجوا" طيب؟!
اليمن تعيش حربا إيرانية قذرة هي الأخطر على الاطلاق، حرب من قعر استراتيجية "حرث الأرض" التي تنتهجها طهران، حرب شاملة، حرب إبادة، تدمير كل شيء، تغيير الوجه والدم، تفكيك المجتمع والتشكيك في القناعات، وإعادة إنتاج هويات متناقضة بعد طمس الهوية الوطنية، العبث بالدين والمعتقدات القومية والقيمية، التطبيع على الفوضى، نشر ثقافة التوحش، هي حرب تمزيق كل الجسد وقلب تفاصيل الحياة عاليها سافلها وتحويلها كلها "سافلة"، هل كان يصدق أحد أن بغداد الرابضة على أغنى بحيرة نفط ستنام ١٧ عاما في الظلام، وأن تبيع الحرة عرضها لتطعم أطفالا يتامى أنجبتهم من "زناة" يرتدون عمائم مسروقة، كم تتمنى أن تكون أنت في باطن الأرض حين تشاهد "تجارة الجنس في العراق" على بي بي سي، هل كان عراقي واحد يتخيل بغداد في هذا المآل؟!
هل لا يزال أبناء بلاد الرافدين يتذكرون أنفسهم وهوياتهم وملامح وجوه جيرانهم؟! ناهيك عن الخوض في شأن سياسي هامشي أو إطلاق الأماني لعودة صندوق اقتراع من فوق أكوام الجثث وتحت دخان البارود ووسط لعلعة الرصاص!
من لم توحده المعركة الوطنية المصيرية فلا تنتظر منه وحدته حتى مع نفسه، ذات يوم سئم ذماري نزق من عادة لا داعي لها كان قاصد المدرسة الشمسية يقوم بها بناءا على فتوى "كاذبة" بضرورة سؤال من تصلي معهم عن الفرض الذي يؤدونه، تسمع المُنْظم إلى صف الصلاة "ينحز/يدكم" من بجانبه ويهمس في أذنه: ظهر والا عصر؟!، غير أن صاحبنا تعود أن يهذي بهذه الزوائد التي لا تحتاج اليها مطلقا ولن تضيف لك شيء، وقف في منتهى الصف والتفت إلى صاحبه: ظهر والا عصر؟!
صاح النزق: فليش سرجوا؟!
لم يعد ظهرا ولا عصرا، لقد دخل وقت المغرب وقد حل الليل وانتشر الظلام، حتى الأعمى والأعور واغبى الأغبياء يستطيع تمييز حلول الظلام، والدليل التأكيدي لا تستطيع الا أن تقوله بنزق وارتفاع صوت و "قلبت" وجه: فليش سرجوا!.
لقد فات أوان التشخيص والغرق في الشكليات والهاء النفس والغير بالحيل النفسية وإشباع الرغبة بخوض معارك في الخيال قد تجاوزها الوقت وعنوانها خطأ وفي غير موسمه، هي أشبه بمن يريد تسريح شعر جريح ينزف، من لديه إنسانية وصدق ضمير لا يمكن أن يتلهى في البحث عن مشط لتسريح الشعر، ستجده قد شمر عن ساعده ليسكب دمه لإنقاذ نفس، فكيف بإنقاذ وطن وحماية جمهورية؟!
يجب العودة للتأكيد ألف مرة أن أصحاب فكرة "توحيد الصف" صادقون وحريصون على الوطن بقوة وأنقياء ، ويتألمون بشدة لما يحدث لوطننا، وتفزعهم أن تتحول صنعاء إلى بغداد جديدة، لكنهم وبكل صدق قول وصراحة نصيحة، يحرثون في الماء ويبحثون عن فاكهة الصيف في الشتاء، ويستنزفون أوقاتهم وجهودهم في ترف القضايا وزوائد الأماني، وعليهم أن "يفحسوا" أعينهم لينظروا بدقة ويعيدوا النظر كرتين فهذه حرب وليست مهرجانات انتخابية! وهذا وطن وليس صندوق اقتراع.
يا معشر الطيبين: الوطن يتمزق، وهو طن الجميع، ومغالط من يحاول "تسييس الدماء" مغالط وبلا إنسانية من يساوره شك في أننا نقف في صلاة المغرب، ومن يسأل عن توحيد الصف وظهر أم عصر قل له : فلييش سرجوا؟!
اذا أردتم أن تكتشفوا أن معارككم في جبهة تويتر نوع من مهام "طواحين الهواء" فقوموا بزياة مقابر الشهداء، لن تجدوا شاهد قبر شهيد واحد مرسوم عليه شعار حزب ما، كيف لبطل مثله سكب دمه ليرسم مستقبل وطن جمهوري مستقل حر يستحقه اليمني الكبير.
الفرق بين الوقوف في "المترس الوطني" والدعوة لتوحيد "الصف الوطني " هو ذات الفرق بين من يلتحق بصفوف الصلاة بوضوء متقن والتئام خاشع، ومتابعة الإمام طمعا في الحصول على الأجر، وبين من لا هم له سوى ازعاج المصلين وتشتيت انتباههم، وسؤالهم بسطحية وسذاجة : ظهر أو عصر، وقده مغرب، لكنه يعاند مع أنه يعرف "لييش سرجوا" والله أنه يعرف.
إنها صلاة حقا، صلاة وصلة وطن، وهذه صفوف الأبطال ، لا حزب يجمعهم سوى تراب اليمن والعلم الوطني وأغاني أيوب والنشيد الوطني، فتعالوا التحقوا بالصف الوطني الجمهوري دون ضجيج، ومن خلط بين الحرب والتنافس السياسي والفروق الحزبية "انحزوه .." وصيحوا في وجهه "لييش سرجوا"؟!
وللحديث بقية ..