هذا المصطلح وإن كان له دلالة دينية عند المتصوفة ويقفون أمامه باحترام لكن دعونا نستعيره لوصف قيادة حزب الاصلاح في تعاملها السياسي مع الشرعية والتحالف باخلاص وتفاني على حساب مصالح الحزب وأعضائه .
ظل الحزب منذ 2011 وهو يغامر بوطنية زائدة في سبيل ما كان يعتقد قادته أنه طريق اليمن الآمن، لكن ذلك الحماس وضعه في فوهة المدفع باعتباره المسيطر السياسي على الحكومة في فترة الانتقال السلمي بعد الانتخابات الرئاسية 2012حتى الانقلاب الحوثي 2014 ، رغم أنه كان شريكًا في الحكومة ببضع وزارات قد لا تصل 15% بينما المؤتمر الشعبي الذي قال رئيسه السابق أنه سيعلم النظام الجديد أسلوب المعارضة كان لديه 50% من الحكومة وأكثر من 70% من المناصب الحكومية الهامة، ورغم ذلك فضل التحالف مع الميلشيات ودعم الانقلاب.
كانت دولة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة محمد باسندوة الانتقالية مخترقة مثلها مثل بقية مؤسسات الدولة التي ظلت بيروقراطيتها مسيطر عليها من نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، حتى أن تلك الحكومة أصدرت قرارا برفع أسعار المشتقات النفطية في وقت كان الحوثي يحشد المتظاهرين المسلحين في محيط العاصمة صنعاء.
كان الاتهام للاصلاح على أنه يحكم البلاد من خلال مشاركته الصورية في حكومة التغيير ، وكان الوضع مهيأ للاصلاح أن يتقدم فعليا للسيطرة على السلطة بالتنسيق مع حلفائه دون التأثير على المؤسسات المدنية والعسكرية ويحمي اليمن من الانزلاق في هاوية الحرب والانقلاب الميلشاوي، لكن ذلك الزهد في السلطة كان خطأ كبيرا سيدفع أعضائه الثمن في المحطات اللاحقة.
بدأت بوادر الانقلاب الحوثي الحقيقي مع عجز واضح للحكومة والرئيس عندما حاصر الحوثي معسكرات الجيش في عمران .
كانت تلك المعسكرات هي الافضل تسليحا في معسكرات الجيش اليمني اذا ما استثنينا الحرس الجمهوري والقوات الخاصة ، وبدلًا من أن تكون فرصة للاصلاح في السيطرة على تلك المعسكرات مع حلفائه ومواجهة الحوثي خارج صنعاء ، دفع بأبنائه يساندون الجيش الذي كان يقوده الجنرال حميد القشيبي والذي رفض فتح مخازن السلاح للمتطوعين باعتبارها أسلحة الدولة فذهبوا لجمع تبرعات شعبية لشراء ذخيرة وأسلحة بدائية حتى جاء الحوثي ونهب كل شيء.
بدأت عاصفة الحزم في مارس 2015 وأعلن الاصلاح رسميا دعمه للتحالف العربي ودفع الاصلاح أعضائه لدعم الشرعية والتحالف في الحرب وشكل غالبية أعضائه غطاء ميدانيًا في الجبهات وفقد الحزب ما يقارب ثلاثون ألف عضو فيها ، لكنه قبل بمشاركة بسيطة في حكومة المنفى التي تشكلت لإدارة الحرب ، وبعد تحرير ثلثي البلاد نسي التحالف العدو الرئيس الذي دخل لإسقاطه، وتفرغ للاصلاح وقام بتشكيل ميلشيات في المحافظات الجنوبية عقيدتها القتالية ليس مواجهة الحوثي بل تصفية الاصلاح ، واغتيل حوالي 300 قيادي، ومع كل اغتيال لم يسمع أعضاء الحزب سوى تمتمة حمد وشكر من قياداته على الابتلاء ، ولم يستفد الاصلاح من وجوده القوي على الارض ليشكل قوات حماية لأعضائه وفرض أمر واقع عسكري في المناطق المحررة .
استمر الاصلاح في دعم التحالف والشرعية بزج أعضائه في جبهات مفتوحة ومحارق نصبت للاستنزاف لا للحسم العسكري، وكلما تعترض قيادات ميدانية على طريقة إدارة التحالف للمعركة يبدأ الاعلام بشن دعايات تتهم الاصلاح تارة بالتنسيق مع الحوثي أو التفاوض من تحت الطاولة أو محاولة السيطرة على الجيش كأسلوب ابتزاز مألوف ومكرر.
فقد الاصلاح التوازن بين مصالحه ومصالح الدولة ومصالح التحالف وتحول الى مدفع يقذف بأبنائه إلى الجبهات دون تقييم، ورغم أن الفساد المالي داخل التحالف والحكومة أغرى بعض أعضاء الحزب خاصة مع انسداد الأفق في حسم سريع ومع بدء لعبة التحالف الجديدة والمرهقة؛ إلا أن الحزب تجنب التدخل في مؤسسات الدولة وبنوكها حتى في المحافظات التي يديرها محسوبون عليه.
عاد الحوثي وأسقط نهم وتوجه للجوف وانكشف الغطاء الساتر حيث أن أغلبية أعضاء الحزب الموجودين في الجبهات بدون سلاح ولا مرتبات رغم أنهم يحمون محافظات نفطية وفيها بنوك ممتلئة بالمليارات.
وبدلًا من فتح تلك البنوك لتسليم رواتب الرجال الذين يحمون جبال وصحاري المناطق المحررة ، ذهب بعض قادتهم يبحثون عن متبرعين ببطانيات وجاكتات وأحذية للجنود، مع أن التحالف يسجل شهريا ملايين الدولارات تحت مسمى تسليح ومؤنة للجيش اليمني الذي كانت مخازنه فارغة من الذخيرة وحتى الملابس العسكرية، فيما يتقاسم تلك الملايين بضعة قيادات عسكرية من التحالف ومن الشرعية ليس بينهم أحد إصلاحي أو قريب من الاصلاح.
انكشف وضع الشرعية والتحالف الان ويرى اليمنيون مصير بنك مأرب ونفطها ومعسكراتها كسابقاتها مهددة فيما المقاتلون يموتون في الصحاري وفوق الجبال من الجوع والبرد ويقاتلون بذخيرة بدائية .
ومع كل تلك التجارب سيكتفي قادة الاصلاح بالتأكيد على دعمهم للتحالف والشرعية دون التفكير بجدية في كيفية إنقاذ اليمن وإنهاء شائعة أن الاصلاح هو من يحكم .
وحتى لا يستمر اطلاق مصطلح الدراويش على الحزب وقادته فاليمنيون وأعضاء الحزب ينتظرون من قادته إما أن يكونوا دولة ويضحي الجميع من أجلها وإما أن يتركوا الميدان لآخرين يحكمون ويضحون، لكن لا يجب أن يستمر الحزب وأعضائه وقودا لأوهام الحاقدين الذين تعودوا أن يروا الاصلاحيين ضحايا للوطن أو للميلشيات المدعومة من الخارج، لكن ليس من حقهم السلطة، وإذا استمر الوضع كما هو فلا يستبعد أن يتفكك الحزب وينعدم تأثيره على الأرض.
نصيحتي الشخصية أن تسليم زمام ادارة المرحلة لشباب مع بقاء القادة مستشارين يخفف من أعباء الماضي وإحراجات الشركاء والحلفاء ويتحرك الحزب الكبير وآخر تنظيم جمهوري بخفة في مصلحة اليمن وأعضائه وبتوازن كامل !