على مدى سنوات طوال ومنذ أن استولى مجاميع من الطلبة الأفغان منتصف التسعينات من القرن الماضي على مقاليد السلطة في أفغانستان شن الإعلام العربي والعالمي حربا ضروسا على طالبان واتهمها بشتى التهم حتى صارت لا تذكر إلا مقرونة بالتطرف والتشدد والتخلف وقالوا عنهم إنهم حشاشون وتجار مخدرات ويحاربون تعليم المرأة ووو كتبوا عنهم المقالات والتقارير وبثوا عنهم البرامج والأفلام السينمائية والوثائقية وألفوا عنهم الكتب والدراسات التي تشيطنهم وتجعلهم رموز الهمجية والتخلف والتطرف..
ولم تكتف واشنطن والإعلام الأميركي والعربي والعالمي بهذا، بل شنت حرباً عسكرية على طالبان عام 2001 م وسط صمت العالم الإسلامي وعلى مدى 19 عاماً من الحرب أنفقت واشنطن اكثر 760 مليار دولار تكاليف الحرب في أفغانستان وخسرت أكثر من 3 آلاف جندي أميركي قتلوا على أيدي طالبان، إضافة لعشرات الآلاف من الجرحى وفي النهاية وقعت واشنطن اتفاق سلام مع أعداء الأمس وأشاد بهم ترامب وعاملهم بندية واحترام، حيث قال ترامب في 4 مارس أذار الجاري: " في الحقيقة أجريت حديثاً جيداً جداً مع زعيم طالبان"..
وبموجب الاتفاق مع طالبان الذي تم بالعاصمة القطرية الدوحة ستسحب واشنطن قواتها من أفغانستان على دفعات وسترحل في النهاية وستصبح طالبان هي الرقم الصعب في أفغانستان فما الذي حدث وجعل واشنطن ترضخ وتعامل طالبان بندية واحترام ؟.
* دلالات الاتفاق بين واشنطن وطالبان
البعض يرى بأن ترامب يسعى بهذا الاتفاق مع طالبان لصنع دعاية انتخابية تحسب له خصوصا وأنه قادم على استحقاق انتخابي فهو يريد تقديم نفسه للرأي العام الأميركي بأنه من أوقف الحرب وعمل على إحلال السلام في أفغانستان وأعاد الجنود الأميركيين إلى بلادهم وهذه حقيقة ولكن الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها- أيضاً- هي أن طالبان صمدت وقاومت وواجهت أكبر قوة عسكرية في العالم بسلاح العزيمة والإصرار والإيمان ولم تقل "هذه أميركا" ولم ترضخ لابتزازها بتهم الإرهاب والتطرف والتشدد والتخلف ولم تخف من تصنيفها كحركة إرهابية ولم تخش الطائرات المسيرة والصواريخ العابرة للقارات والأسلحة الحديثة ولم يبال قادتها بإدراجهم في قوائم الإرهاب الأميركية ولم تغرهم دولارات واشنطن وإغراءاتها بالمناصب والمكاسب ولم يضرهم تآمر الغرب والشرق والعجم والعرب وصمت عموم المسلمين عما جرى لهم بل واجهوا بإمكانياتهم البسيطة أقوى دولة في العالم وصمدوا حتى صاروا اليوم يسيطرون على أكثر من نصف أفغانستان وصارت إيران تطالب بالجلوس معهم وإقامة العلاقات الودية معهم وتستضيفهم في مؤتمر في طهران وتخطب ودهم، وهذا لأنها أدركت كما أدركت واشنطن وغيرها أن هذه الجماعة فرضت نفسها على الأرض وصارت عصية على الهزيمة والإقصاء والتهميش ولن يحل السلام في أفغانستان إلا إذا كانت طالبان الطرف الأبرز فيه ولن يكون لأفغانستان مستقبل بدون طالبان ولذا صار لطالبان علاقات دبلوماسية مع دول عديدة ومكاتب تمثيل في الدوحة وغيرها وصاروا يحضرون المؤتمرات ويتحدثون لوسائل الإعلام ويقيمون علاقات مع إيران رغم الاختلاف المذهبي والماضي المؤلم فقد لعبت إيران دوراً كبيراً في إنجاح الحرب الأميركية ضد طالبان التي لم تنس هذا ولا إيران هي الأخرى قد نسيت قتل طالبان للدبلوماسيين الإيرانيين في المركز الثقافي الإيراني في مدينة مزار شريف عام 1998م ولكن إيران وطالبان طوتا صفحة الأمس ونظرتا للمستقبل ولسنا هنا بصدد الحديث عن العلاقة بين إيران وطالبان، فهذا يحتاج لدراسة مطولة ولكن ما نود قوله هو أن طالبان واجهت العالم وصمدت وفرضت وجودها على الأرض بالقوة ومن يفرض وجوده على الأرض هو من يفرض وجوده في الحاضر والمستقبل ويفرض احترامه على الجميع حتى أعداءه، حيث يعاملوه بندية واحترام ومن يسلم قراره لغيره ويضع بلده تحت وصاية الأمم المتحدة وفي عهدة الأميركان وأدواتهم في المنطقة أمثال السعودية والإمارات وغيرها يفقد احترامه لدى مختلف الجهات الدولية والإقليمية ويتحول لكرت يتم رميه بعد الاستفادة من رصيده..
* مجرد تذكير ليس إلا
هل تتذكرون عندما انتقد الدكتور/ منصور الزنداني في جلسة للبرلمان اليمني يوم الخميس 7 نوفمبر تشرين الثاني عام 2014م المبعوث الأممي إلى اليمن حينها جمال بنعمر والذي قال إنه لم يعد مرغوباً فيه باليمن وحذر من التدخلات السافرة للسفير الأميركي في اليمن حينها وما أسماه بـ”مغبة اللعب بالشأن اليمني”.؟.
ماذا فعل حزب الإصلاح يومها؟.
هل وقف بجوار قيادي بارز فيه ودعمه لأنه كان يمثل يومها ضمير الشعب اليمني وصوته في مواجهة إجرام بنعمر والسفير الأميركي وعبثهم بالشأن اليمني؟.
بالعكس الإصلاح تبرأ يومها من الدكتور منصور الزنداني وهاجمه- في بيان رسمي- حيث نشر موقع " الصحوة نت " على لسان مصدر مسؤول في الأمانة العامة للحزب إنه يبدي استغرابه لما ورد في كلام عضو الكتلة البرلمانية للإصلاح الدكتور/ منصور الزنداني في جلسة مجلس النواب، مما وصفه بـ”غمط للدور الإيجابي التي تطلع به الأمم المتحدة وممثل أمينها العام الأستاذ جمال بنعمر وبعض سفراء الدول الصديقة بصورة لا تتفق مع توجهات ومواقف الإصلاح”.
وقدم الإصلاح يومها اعتذاره لبنعمر والعاملين معه والسفراء “الذين وردت إشارات غير إيجابية إليهم في حديث النائب الزنداني” مؤكداً ضرورة أن يلتزم الجميع ببرنامج الحزب وتوجهاته المقرر من هيئاته..
" لم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد " وبعد فوات الأوان هاجموا بنعمر وانتبهوا لدوره التخريبي والمشبوه ولكن بعد أن وقع الفأس في الرأس وبعد خراب اليمن...
ولست في هذا المقام بمقام الإشادة بطالبان ولا تقييمها فهي لها أخطاؤها ولها وعليها ولكني بمقام تذكير البعض وإرسال الرسالة التي لم يستوعبها البعض عد وهي أن الشرعية لمن يفرض وجوده على الأرض بالقوة والقوة وحدها فنحن في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء فقط لا غير ولا يحترم إلا الأقوياء ولا يعامل بندية إلا الأقوياء مهما كانت أفكارهم وممارساتهم أما الضعفاء فيتركهم للبكاء على الأطلال وليندبوا حظهم.
* مقارنة أخيرة
قارنوا بين استقبال السعودية لوفد الحوثيين في ظهران الجنوب قبل أعوام وكيف استقبلوهم بانبهار وبحفاوة كأنهم "فاتحين" وبين استقبال محمد بن سلمان لمجاميع الشرعية في صف طويل ذليل وقد ارتصوا للسلام عليه ونيل مكرمته؟..
وصلت الرسالة أم لا؟..