الجزء الثالث:
الإمامة وتخريب الجمهورية.
٣- اليمن وطن وليس غنيمة حرب .
واليمني مواطن ، وهو مالك السلطة ومصدرها ،
وليس رعوياً أو أسير حرب.
------------------------------
واصطرعت بين إمام مفضول وإمام أفضل ، وأسر حاكمة وأخرى هامشية ، ومرجعيات أصيلة واخرى ملتبسة .
حكمت هذا التكوين قواعد روتها الدماء التي سالت ، سواء فيما بينها ، أو في إقحام المجتمع فيها ، لتستأثر بالإمامة والسلطة ، وانهكت معها اليمن ليبقى من أكثر دول العالم تخلفاً وفقرا، .
ولذلك فإن الحرب التي تخوضها اليوم هي في حقيقتها امتداد لهذا التاريخ الدامي ، وهي ذات أبعاد متداخلة ، فهي من جانب محاولة لتأكيد أهليتها للإمامة والسيادة ببعديها الثيوقراطي والعصبوي معاً ، بعد أن ظلت مهمشة وخارج المكون «المرجعي» للأسر الحاكمة وتشكيلاتها التاريخية وهي ، من ناحية أخرى ، إستمرار لنظرة الإمامة إلى اليمن كغنيمة حرب وإلى أبنائه كرعية وأسرى حرب ، وليس كوطن ، لبنائه شروط مختلفة .
والحوثية ، كجماعة عصبوية وفكرة عنصرية ، ترى في الحرب وسيلة لإخضاع أطراف هذا التكوين بالبعدين «العرقي» والثيوقراطي معاً ، وإخضاعه لسطوتها لتأكيد حقها في الإمامة بمرجعيات «حسين الحوثي» التي شكلت فرعاً لزيدية سياسية وفقهية وعرقية منفتحة بلا حدود لعلاقة متداخلة مع الاثنى عشرية الجعفرية . وهو انفتاح يهدف إلى بناء تحالفات خارجية تدعم مشاريعها التسلطية الفوضوية وإبقاء اليمن مخلباً إيرانياً في جسم المنطقة . ولتمرير هذا البعد فلا بأس من المراوغة مع الجمهورية بشعارات بمحتوى إمامي استبدادي يسمح لها بتمرير مخططاتها في السيطرة ، أو أقله بالتعايش ، ولكن من الموقع الذي تستطيع من خلاله التأثير في القرار السيادي وتعطيله بإتفاقات تصبح جزءاً من دستور البلاد .
غير أن ما يشغلها ، ويثير لديها الهواجس ، هو أن كثيراً من مكونات الثيوقراطية الامامية لن تعترف لها بالإمامة أو السيادة ، كما أن كثيرين من أبناء اليمن ممن ينسٌبون تنسيباً إلى الهاشمية لن يقبلوا ، كما لم يقبلوا من سابق، بجرهم إلى صراع عصبوي يجدون فيه أنفسهم وقد تحوصلوا في دائرة صراع أبدية مع بقية الشعب اليمني وهم الذين لا يعرفون اليمن إلا موطنا .. وأن يكون اليمن وطنا دائماً أفضل من أن يكون غنيمة مؤقتة . فالمغامرون قد يظفرون باليمن كغنيمة مؤقتة ، كما تخطط الحوثية اليوم ، وكما كان حال الإمامة دائماً ، ولكنهم سيخسرونه كوطن دائم . خاض الكثيرون من هؤلاء نضالاً وطنيا ضد هذه النزعة الشوفينية وأيديولجيتها الثيوقراطية التسلطية ، بل كانوا في طلبعة هذا النصال الوطني في محطات تاريخية مختلفة .
تدرك الجماعة الحوثية ، التي تستخدم مسمى « أنصار الله» كعنوان جامع تحاول أن تتجاوز به هامشية مكانتها في التراتبية الاسرية ، أن بقية الأسر لن تقبل بإمامتها أو بتربعها كرسي السيادة ، كما أن الكثيرين لن ينخرطوا في الفرز السلالي بذلك الشكل الذي يجعلهم في مواجهة دائمة مع مبدأ الوطن والمواطنة الذي يؤمن لجميع اليمنيين حياة آمنة ومستقرة ، لذلك فإن الحوثية تعتقد أن فرض سطوتها هنا أمر لا بد منه . ومع السطوة يتم توريط الأغلبية في الحرب وممارسة القمع ، والانخراط في دورة الانتقام بما يرتبه ذلك من فرز ومن ثأرات وردود أفعال تنتج خطاباً ومواقف معادية تجاه الهاشميين ، وهذا هو بيت القصيد عند الحوثية ، فكلما طال أمد الحرب كلما أوغلوا في توريط المزيد والمزيد ، فمن يتورط لا يستطيع العودة الى الخلف ، وفي نفس الوقت تكون الحرب قد شرخت المجتمع ، وشرب هذا الشرخ الكثير والكثير من الدم ، ومعه تكون قد أكلت الكثير من أبناء هذه الاسر ممن يعتقد الحوثيون أنهم لا يظهرون لهم الولاء إلا خوفاً ، أو طمعاً ، بينما هم في حقيقة الأمر لا يقيمون لهم وزنا في تراتبية الامامة والسيادة من ناحية ، كما أن آخرين خاضوا نضالات وطنية خارج هذه المنظومة برمتها من ناحية أخرى ومنذ البواكير الأولى للحركة الوطنية .
وينطبق نفس الشيء على القبائل التي حازبت الحوثية وحاربت الى جانبها ، والتي أرهقت بالاف القتلى من أبنائها ، ممن تعتقد الجماعة بأن قتالها إلى جانبهم محكوم بدوافع لا صلة لها بالولاء العقائدي بقدر ما هو تعبير عما أصاب البنية الاجتماعية والسياسية اليمنية من تفكك واستقطابات ، وشعور بالإبعاد والإقصاء ، بسبب سياسات الأنظمة المستبدة . ولأن هذه القبائل لا تشكل ، من وجهة نظر الجماعة، قاعدة عقائدية راسخة للسيطرة التي تسعى اليها ، فإن هذه القبائل يجب أن تنهك وتستنزف إلى أبعد مدى ، والجماعة لهذا لا تراها غير مخرن بشري للقتال والموت بمقابل .
الحوثية اذاً تقاتل ، وهذا البعد من قتالها هو امتداد تاريخي للصراعات الداخلية للأئمة وعلاقتهم بالمجتمع الذي يسعون للسيطرة عليه وإخضاعه . ومعه ، فإن إدارة هذا الصراع لا زالت تعتمد على :