بالنسبة إلى التطورات التي تشهدها المنطقة الغربية لتعز، يبدو أن الكرة تتدحرج وتكبر شيئاً فشيئاً لترتطم في المحطة الأخيرة عند ميناء المخا حيث أسست أبوظبي مقراً عتيداً لقوة سياسية وعسكرية تدور حول فكرة بعث نظام صالح وتنصيبه مدافعاً وحيداً عن الجمهورية التي فرط بها يوم كان يمتلك كل الأدوات لتحقيق أهدافه السياسية دون أن يضطر للتضحية بالجمهورية وتمكين الإماميين من مقدرات الدولة.
الإمارات بدعمها لما يسمى حراس الجمهورية أو من تسميهم "المقاومة الوطنية" بقيادة نجل شقيق صالح العميد طارق عفاش، خارج إطار السلطة الشرعية والإجماع الوطني، ارادت تحقيق هدفين أساسيين الأول والأهم هو السيطرة على المنطقة الغربية لمحافظة تعز وتعطيل مينائها الرئيس وخنق المحافظة تماماً باعتبارها الركيزة الأساسية للمشروع الوطني الذي سيفشل كل المشاريع الأخرى بما فيها تقسيم اليمن والاستفراد بمزاياها الجيوسياسية عبر الركوب على مجاميع حزبية وعسكرية فوضوية ودون وطنية تتغذى من صراعات الماضي المدفون.
أما الهدف الثاني الذي يسوغ للهدف الأول فهو تمكين القوة التي تهيمن عليها عائلة عفاش من السيطرة على هذه الأرض وخلق واقع جيوسياسي يضمن استمرار تيار صالح حاضراً في قلب المعادلة السياسية لكن ليس من خلال تكثيف الضغط العسكري على الحوثيين بل من خلال الاحتواء العسكري للجيش الوطني في تعز والتضييق عليه.
يحسب للنائب والمحافظ الأسبق لتعز الأستاذ علي المعمري أنه تحدث بصوت مسموع عن الخطر الكامن في قلب السلوك الإماراتي الذي يتجلي في شكل تفويض قوة عسكرية ضاربة في الساحل الغربي من مصادرة المديريات الغربية للمحافظة وتعطيل مينائها وإعادة هندسة المنطقة ديمغرافياً من خلال تأسيس المدن السكنية وتشييد المعسكرات حتى لا تستطيع تعز فيما التصرف كإقليم إداري يتمتع بموقع متميز وبكتلة سكانية كبيرة ومبدعة هي الأكبر على مستوى البلاد.
وبعد أيام من بيان للنائب المعمري الذي أضاء فيه على الترتيبات المشبوهة في المخا ومديريات غرب محافظة تعز، ونقلها من ضميره إلى عهدة أبناء تعز واليمن جميعاً، جاء التفاعل اللافت للاهتمام من قبل التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية الذي أصدر بياناً مهماً يمكن وصفه بأنه واحدا من أنضج المواقف السياسية والوطنية المعلنة لهذا التحالف على الإطلاق منذ أن تأسس في ربيع ألفين وتسعة عشر ة على هامش الدورة الاستثنائية التي عقدها مجلس النواب في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت يومي 13 و14 من شهر أبريل/نيسان.
طالب التحالف الوطني عبر الأحزاب الذي تمثله في محافظة تعز الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس مجلس الوزراء، باتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لمنع إنشاء أو استمرار وجود معسكرات أو وحدات أو مليشيا غير خاضعة للحكومة ومؤسساتها وخاصة وزارة الدفاع.
الإشارة هنا واضحة المقصد فهي تومئ بوضوح تام إلى القوات التي يقودها طارق عفاش وتتخذ من مدينة المخا مقراً لها، بدليل أن التحالف الوطني توجه في بيانه بالشكر والتقدير لقوات العمالقة والمقاومة التهامية واستثنى قوات طارق، قبل أن يتوجه بدعوته إلى بإعادة الدور الريادي لميناء المخا التاريخي واستئناف فتحه أمام حركة التجارة لمحافظة تعز المحاصرة ومساعدتها على الحصول على مصدر تمويل يمكنها من مواجهة احتياجات التحرير مع شحة الإمكانيات والموارد المالية وتمكين المنحة السعودية المقدمة للميناء وتطويره من حيث المعدات والرافعات .
وتشديده كذلك على ضرورة قيام الحكومة ورئيس السلطة المحلية بمنع التصرف بأراضي الدولة والاعتداء على أراضي المواطنين والبسط عليها في مديرية المخا وغيرها من المديريات وسواحل المحافظة بشكل عام من قبل أي كان.
هذا الموقف في تقديري يعبر عن تحول جوهري في موقف الرياض، تجاه كل الترتيبات التي أشرفت عليها الإمارات في جنوب وغرب البلاد، وأدت في المحصلة إلى تصميم فخ محكم لإغراق قائدة التحالف في حرب استنزاف طويلة الأمد تخصم من مكانتها وهيبتها وتؤدي إلى ترسيخ وقائع جيوسياسية خطيرة وتستدعي لاعب إقليمي سيئ وشديد الخطورة مثل إيران.
وإيران كما نعلم تسعى بمثابرة عجيبة لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية والعقائدية العدائية التي ترمي من خلالها إلى هدم البنيان المتماسك لمنطقة الجزيرة العربية والذي كان احد أهم الأهداف التي سعت الإمارات إلى تحقيقها من خلال مشاركتها فيما يسمى التحالف العربي.
لذا فإن البيان الذين نحن بصدد يمثل بنظري أحد أهم المؤشرات على أن الدائرة بدأت تضيق فعلياً على المشروع الإماراتي الأخطر في الساحل الغربي، بعد أن تكشفت النوايا الحقيقية لـ "الكانتون" العسكري الذي يحتضن تركة صالح العسكرية والسياسية التي تجمعت من شتات الهزيمة الصاعقة التي تلقاها صالح وحزبه من قبل الحوثيين في ال4 من ديسمبر/كانون الأول 2017.