الى العزيز محمد صبري في ذكرى الاربعين لوفاته :
الموت الذي يغيب إنساناً كمحمد الصبري لا يمكن تعريفه إلا بأنه فاجعة . نعم .. لقد كان رحيله فاجعة بكل ما حملته من وجع وحزن وذهول وشعور بالخسارة .
في معادلة الحياة والموت ، تقاس خسارة الرحيل بمستوى حضور المرء في الحياة العامة .. كان حضوره كبيراً في المحيط الواسع الذي امتد إليه نشاطه السياسي والاجتماعي والإنساني ، ولذلك ، لا بد أن تكون خسارة رحيله كبيرة .
على نحو يثير الإعجاب والاحترام ، استطاع محمد الصبري رحمه الله أن يشق طريقه في الحياة السياسية العامة الى الصفوف الأمامية بثقة المقتدر على التعاطي مع تعقيداتها ، وكان واحداً من قيادات اللقاء المشترك في محطة من أهم المراحل السياسية . وكان أن استطاع اللقاء المشترك ، قبل أن تلتهمه خديعة السلطة ، أن يعمل بدأب على خلق معادلة سياسية على الارض تتجاوز حواجز الايديولوجيا إلى ما تحتاجه ضرورات التغيير من برامج واصلاحات سياسية داخل كل حزب وفي الحياة السياسية عموما .
سيظل إسم محمد صبري مرتبطاً بالتغيير في أي موقع كان فيه ..كناصري هو رجل تغيير ، ولو كان اشتراكياً أو إسلامياً أو ليبرالياً سيكون بلا شك رجل تغيير .. وكان ذلك تجسيدا لروح «المشترك» الذي غير وجه الحياة السياسية في اليمن ومعادلاتها .
كان لا يتوقف بتفكيره عند حدود ما تشكله النظرية من فهم للظاهرة ، لكنه يعمل عقله بدينامية الواقع الذي يتحرك فيه .. وهو الى جانب أنه رجل تغيير بالمفهوم الذي يرى فيها الانسان الحياة في حركتها لا في سكونها ..
كان يتطور سياسيا وفكريا في ظروف المعاناة الشخصية التي تكبدها بسبب مواقفه التي ظلت تعبر عن حاجة اليمن إلى إصلاحات جذرية في مجمل بناه السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، ناهيك عن البنى الثقافية والعلمية المنهكة بنفايات الايديولوجيا التي عمقت التخلف في كافة مناحي الحياة .
ولا أنسى مناقشتنا المستمرة لمسألة تغيير المعادلة المركبة التي حكمت الحياة السياسية اليمنية من : ( اختلاف- اتفاق- اختلاف ) ، إلى ( اتفاق -اختلاف- اتفاق ).
وكان لا بد من وضع هذا التعديل في إطار نظري منهجي يساعد على معرفة مضامينه بعيدا عما يمكن أن يفهم منه بأنه اعتباطي أو تحكمي .
فكان الاطار المنهجي كالتالي :
(إتفاق): وتعني أن التنوع والتعدد السياسي والثقافي قيمة انسانية لا غنى عنها لادراك حاجات الانسان المتنوعة ، ولذلك فهي متكاملة وليست متصادمة . وأن القوى التي تمثلها لا بد أن تتفق على حقيقة أن هذا التنوع والتعدد يجب أن يدار بأدوات سياسية ومعرفية .
(إختلاف): التنوع بطبيعته يحمل اختلافا في الرؤى والبرامج ، على أن يبقى هذا الإختلاف محكوماً بالاعتراف بضرورات التنوع دون طغيان من أحد أو شعور بالتفوق والتميز ، وأن التفوق هو ميدان العمل الذي تتحقق فيه مصالح المجتمع .
(اتفاق): على أن الديمقراطية وحق الناس في تقرير اختياراتهم السياسية هي الكلمة النهائية التي يحتكم إليها الجميع .
تغيير المعادلة على هذا النحو ( إتفاق - إختلاف- إتفاق ) كان وسيظل هو الرهان الذي لا يمكن لليمن ان يستقر بدونه .
لروحك السلام أخي أبو عبد العزيز .