لدينا الآن أكثر من معركة ، وأكثر من غاية ، وأكثر من طرف ، ومع كثافة المعارك والغايات والأطراف ، أحاول هنا التركيز على خمسة أطراف رئيسة أعدها سببًا في استدامة الحرب وتعذر مسألة الحسم العسكري أو السياسي .
أول هذه الأطراف السلطة الشرعية ، فضعف الرئيس هادي وسوء إدارته للمرحلة الانتقالية بكل تأكيد أفضت إلى انقلاب ، وإلى حرب ، وإلى تدخل خارجي ، وجميعها لها تبعات مأساوية وكارثية لم تتوقف حتى اللحظة .
فلو أن شخصًا غير هادي ، لربما أمسك بزمام السلطة عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق ، وان كانت هذه السلطة هامشية وفرصها ضئيلة . كما ولربما رأينا سفينة اليمن تمخُر عباب المرحلة وبصورة أفضل من التعثر أو التوقف .
الطرف الثاني الحوثيون ، فهذه الجماعة غدرت باليمنيين ، بل وطعنتهم طعنة نجلاء قاتلة ، قوضت وعطلت كل ما توافقت عليه النخب الثورية والسياسية ، إذ أعادت البلاد والعباد إلى ما قبل الثورة والجمهورية والتوحد .
فمهما حاولت هذه الجماعة السلالية الطائفية الظهور بمظهر دعاة الدولة المدنية الحديثة ، لكن الواقع السلوكي كشف عن منهجية طائفية عنصرية ، وعن جماعة سلالية اغتصبت الحاضر بأدواتها الماضوية المتخلفة .
فغاية الجماعة الحوثية جلية ، كما وبواعثها لا يستلزمها اثباتًا ، فهي في المحصلة حركة لاهوتية كهنوتية لا تقل خطورة عن أي جماعة دينية ، فاشية ، نازية ، صهيونية ، إيديولوجية راديكالية .
الفئة الثالثة ، دول التحالف العربي ، ولا أقصد هنا فقط ، السعودية والإمارات ، وانما ينسحب ذلك على قطر ، ايضًا ، فثلاثتهم وعلى أهمية موقفهم السياسي والانساني المساند للسلطة الشرعية ولليمنيين ، لكنها مجتمعه وبمضي الحرب نقلت معاركها وصراعاتها البينية والداخلية والإقليمية الى اليمن .
فبدلًا من تحرير اليمن كاملة من ربقة مليشيات الانقلاب الحوثية الموالية لإيران ، بدَّلت بوصلة مسارها الى نواحي مختلفة ومتصادمة مع تدخلها الأصل الذي هو القضاء على الانقلاب ، واستعادة الدولة والسلطة الشرعية ، وتسليم السلاح للدولة ، ومن ثم الشروع في تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ، باعتبارها امتدادًا لمبادرة دول الخليج ..
الطرف الرابع ، الرئيس الأسبق صالح وأتباعه وأقاربه والذين كان لهم المساهمة الكبيرة في إنتاج هذه الحالة اليمنية المشوهة ، فهذا الطرف تحديدًا أمد الجماعة الحوثية بالقوة والمال والولاء ، نكاية بالرئيس الجديد هادي وحكومته والثورة وكل من انضوى فيها .
التحالف الشاذ والغريب كانت نتيجته دراماتيكية أفضت إلى انقسام الصف القيادي النفعي إلى طرفين ، أحدهما في صنعاء وتماهى مع وضعه كتابع للجماعة الحوثية ، والآخر موزعًا ما بين الرياض وعدن وأبو ظبي وحتى القاهرة .
وبرغم هذا المآل الدراماتيكي ، ظل مؤتمر صالح كيانًا مناهضًا لشرعية هادي ، وان بشكل ضمني مبطن ، فبإستثناء قلة من القادة والاتباع الذين كان موقفهم منحازًا للتغيير ، أغلب القيادات المؤتمرية مازالت مناهضة لثورة فبراير ولكل ما تمخض عنها .
الطرف الخامس ، مكونات الحراك الجنوبي ، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الذي أعده سببًا في تعطيل وإعاقة السلطة الشرعية ، فبرغم أن مخاض الانتقالي كان بعملية قيصرية وليس ولادة طبيعية ، الَّا أن ولادته تلك كانت قد تسبب بأذى فادح للسلطة الشرعية التي يعد الانتقالي واحد من مخاضاتها الغريبة .
فيكفي القول هنا أنه وعلى رغم ما تحقق لمكونات الجنوب من مكاسب سياسية وعسكرية ومعنوية بفضل هذه الشرعية إلَّا أن الانتقالي ينطبق عليه المثل الشعبي الشهير " حَجَّام جبلة " فأول ضحاياه كان جسد " أمُّه " .
نعم ، هنالك أطرافًا أخرى محسوبة على الشرعية أو التحالف أو المكونات الجنوبية أو المؤتمر أو الإصلاح أو الاشتراكي ، وكان لها أثرها وفعلها في خلق هذه الحالة البائسة .
ومع كل ذلك تبقى الفئات الخمس ، سببًا محوريًا وجوهريًا في إطالة أمد الحرب ، فلولا هذه الفئات المتناحرة والمحاربة لبعضها البعض لما تاهت سفينة البلد كل هذه المدة الزمنية ، ولما فقدت بوصلة مسارها ، ولما بقت الحالة اليمنية خارج سيطرة الأطراف الخمسة .