اليمن والرئاسة والحكومة الشرعية ومن بعدها آمال الشعب تعيش مرحلة سياسية واقتصادية وعسكرية خطيرة تهدد وجودية الدولة وتهدد بنسف آمال هذا الشعب في استعادة دولته وعاصمته السياسية صنعاء والاقتصادية عدن..
بعد أكثر من خمسة أعوام من الحرب كان يفترض أن تنتهي في شهورها الأولى بعد أن تدخل التحالف العربي لدعم الشرعية وإنهاء الانقلاب بطلب من الأخير.. إطالة الحرب وعدم حسمها وفق إرادة يبدو أنها سبقت طلب تدخل التحالف العربي كان لها تبعات كارثية على حياة شعب أصبح محاصراً بالموت بسبب انعدام ممكنات الحياة الضرورية والكريمة..
نعيش خمس سنوات من الحرب ونحن نشاهد الجميع, الرئيس ونائبه والحكومة برؤسائها ووزرائها المتعاقبين والبرلمان وقادة الأحزاب والمستشارين ومن بعدهم النخب السياسية والإعلامية, في حالة هروب من مواجهة جوهر المشكلة والحقيقة والإشكالية التي كانت ومازالت وراء إطالة الحرب وإبقاء مليشيات الانقلاب الحوثية الذراع الإيرانية في منطقة الخليج جاثمة على ثلثي هذا الشعب تذيقه ويلات العذاب..
تتهرب كل تلك القيادات من انتقاد ذاتها، مصارحة نفسها بحقيقة المشكلة والعائق والعوائق المانعة لحسم معركتنا المقدسة مع مليشيات الانقلاب الحوثي، لتذهب إلى الالتهاء بأمور وقضايا ثانوية ليس لها صلة بجوهر تحقيق أهداف معركتنا المقدسة ضد الانقلاب في صنعاء..
والمحصلة, نغرق في انقلاب جديد «انقلاب المجلس الانتقالي في عدن».. خمس سنوات من الهروب عن المكاشفة وإصلاح الخلل داخل الشرعية، باتت اليوم تهدد وحدة الوطن ونسيجه الاجتماعي، وجغرافياً تهدد وحدة أراضيه مليشيات مسلحة بيافطات متعددة وهدف واحد..
لتأتي بعد ذلك لحقيقة الأمر وهي طبيعة علاقة الحكومة الشرعية مع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ومحددات الاتفاق أو البروتوكول الذي على أساسه تدخل التحالف العربي بقيادة الرياض لدعم الشرعية، فمن غير الممكن أن تكون أو تظل علاقة الشرعية بالتحالف لا يحكمها اتفاقيات محددة وبروتوكول واضح الأهداف، فما أوصلنا اليوم إلى هذة المنعطفات التي تكاد تعصف بكل شيء هو ذلك الغموض..
لذا فمن حقنا ومن حق الشعب وأعضاء البرلمان أن نعرف طبيعة هذا الاتفاق، وهل من بنوده منح دول في التحالف الحق في إنشاء مليشيات مسلحة خارج إطار الدولة، أم أن التحالف تجاوز نصوص وجوهر بروتوكول الاتفاق لتدخله في اليمن..
نعم من حقنا أن نخاطب الرئيس ونائبه والحكومة والأحزاب ونطالبهم بالكشف عّن طبيعة الاتفاق الموقع بين اليمن والأشقاء لتدخل التحالف، فنحن اليوم أمام منعطفات كارثية وعلى مشارف انفجار كارثة الكوارث..
كيف لا تحدث الكارثة ونحن كنّا ومازلنا نجد القيادة لا تجرؤ أن تجلس مع ذاتها وتقيم أداءها، في إدارة ملفات المعركة الشائكة والمعقدة..
كيف لا تعصف بِنَا النوازل ونحن لا ندري كيف تتم دراسة المعطيات السياسية للقرارات السيادية والمصيرية؟ وهل تتم كما ناضلنا من أجلها حين أسقطنا نظام صالح «لكي يصبح إصدار القرارات السيادية بـ «الشراكة « مع القوى السياسية, أم أن القرار مازال مصاباً بداء التفرد والتغييب والإقصاء للشركاء والاكتفاء بالسفراء؟!
كيف لا تحدث هذه النكبات المتوالية ونحن والقوى السياسية والوزراء, حسب إفاداتهم، لانعرف
كيف تم منح دويلة الإمارات تلك الصلاحيات المطلقة الكارثية، حتى تمكنت من السيطرة على العاصمة المؤقتة عدن..
كيف لنا أن نمضي نحو آفاق المستقبل لتحقيق حلم التحرير ونحن نرى أن القيادة من الرئيس ونائبه والحكومة ومجلس النواب وقادة الأحزاب عاجزين, أو إن جاز التعبير, لايتحملون مسؤولياتهم وفقاً للدستور، ليصل بهم الأمر حد العجز على مصارحة الأشقاء في المملكة برفضهم المطلق لكل الانحرافات الواضحة للتحالف عّن تحقيق أهدافه المعلنة أو المتضمنة بروتوكول أو اتفاقية التدخل..
وذلك بهدف إعادة مسار سياسة تدخل التحالف إلى طبيعتها المعلنة والمحددة بدعم الشرعية رئاسة وحكومة ومؤسسات دستورية..
وبما يجسد العلاقة والشراكة وفقاً لمقتضيات تفرضها التحديات التي تهدد المنطقة والبلدين «اليمن والسعودية»، وبما من شأنه أيضاً إزالة اللبس والالتباس في كثير من القضايا الجوهرية والملفات المعقدة المعنية بإنهاء الإنقلابات شمالاً وجنوباً، والتي باتت تنعكس تداعياتها السياسية على المستوى الإقليمي والدولي, كارثية على الرئاسة والحكومة الشرعية والتحالف «الرياض» دون غيرها..
كما أن التحديات التي تمس أمن المنطقة وتجعل من المملكة عرضة للتهديد الإيراني المباشر، لم يعد من المقبول استمرار هذا الوضع المنفلت والكارثي في اليمن..
لذا فالإصلاحات داخل الشرعية وإصلاح مسار التحالف باتت تفرضها معطيات الواقع والمخاطر المحيطة بالجزيرة العربية والخليج العربي والسعودية واليمن بصورة خاصة، لذلك بات لزاماً على الجميع العمل من أجل تصحيح كل مكامن الخلل، ولتكن بدايتها المكاشفة والمصارحة، بين الشرعية والرياض..
فلايمكن أن تبقي الشرعية في الغرف المغلقة تئن من جور ضغوطات الشقيقة، ولايمكن القبول أن تبقى الشقيقة في غرفها المغلقة تتحدث عن مخاوف لا أحد يعرف طبيعتها..
الانتقال إلى مرحلة المكاشفة وطرح كل الملفات المعقدة على طاولة النقاش وإغلاق أبواب الغرف العابثة بالمشهد من خلال تغذية الصراعات السياسية، بين أوساط المؤتمر الشعبي العام حتى تعيق وحدة صفه ، وبين الشعبي العام وشركائه في العمل السياسي ..
وفِي اعتقادي أن تلك الخلافات والصراعات منعدمة الأسباب لوجودها طالما أن التهديد والعدو الأوحد للجميع مازال يجثو على اليمن وعاصمته صنعاء ولسبب واحدية الهدف للجميع وهو إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة..
فما حدث ويحدث في عدن يتحمل مسؤوليته الجميع رئاسة وحكومة وأحزاب وقبل كل ذلك الشقيقة «الرياض»، «التحالف».. فهي كانت بمثابة «كاتم الصوت» لكل عبث الإمارات الذي أوصلنا اليوم حد الاقتتال مع فصائل كان يفترض بها أن تقف على تخوم المدن التي يسيطر عليها الانقلاب الحوثي.. « تحت مظلة الشرعية».
ومن هذه الوقائع, فليس من الممكن اليوم التسليم بأي حال من الأحوال أن تسيطر مليشيا مسلحة تمردت على السلطة الشرعية وسيطرت على مؤسسات الدوله في العاصمة المؤقتة عدن.. ولايمكن إعفاء الرئاسة والحكومة من المسؤولية التاريخية والدستورية والأخلاقية في حدوث هذا التمرد، فعدم تحديد موقفها منذ الأيام الأولى لتأسيس هذه الفصائل المسلحة يجعلها أمام الدستور والقانون مسؤولة..
كما أن مبررات التحالف أو بالأخص مبررات دولة الإمارات التي قدمتها كمبررات لإنشاء هذه المليشيات خارج إطار الدولة يمثل في السياق القانوني والدستوري، خيانة وغدراً وانقلاباً على الأهداف المتفق عليها..
وقد حانت الساعة اليوم لهذا المشهد المشوه لصورة التحالف العربي والشقيقة بصورة خاصة أن ينتهي.. كما أن ذات المشهد الذي يُظهر الدولة اليمنية بـ المستلبة لإدارة القرار السياسي واتخاذه وفقاً لمعطيات المصلحة اليمنية من جهة, والمصلحة المشتركة التي تجمعنا بالشقيقة السعودية من جهة أخرى..
وانطلاقاً من ذلك كله فإن الظواهر الشاذة على الساحة اليمنية يجب أن تنتهي ، إنقلاب الإمارات في عدن من خلال المجلس الانتقالي يجب أن ينتهي فوراً، إما بتنفيذ اتفاق الرياض والذي في اعتقادي أضر بالدولة ومؤسساتها و انتقص من هيبتها..
ورغم كل ذلك فالتنفيذ يجب أن يتم الآن وفوراً وهذا ما تتحمل مسؤوليته الشقيقة «الرياض» جملة وتفصيلاً كمسؤولية سياسية وإخلاقية أمام العالم، وكنتيجة طبيعية للثقة التي منحتها القيادة اليمنية باعتبارها ضامناً للتنفيذ والوعود التي تلقاها الرئيس من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ومن شقيقه نائب وزير الدفاع..
إن إدارة هذة الأزمة وفقاً لما هو معتمد من قبل الأشقاء, في اعتقادي, يمثل المشكلة والعائق والعوائق التي تمنع الحكومة من استعادة سيطرتها على المناطق المحررة وفِي مقدمتها العاصمة المؤقتة عدن..
شخصياً لايمكن أن أقنع نفسي أن المملكة بثقلها الكبير أصبحت عاجزة على فرض تنفيذ اتفاق الرياض نتيجة لتعنت ميلشيات مسلحة كانت ومازالت تتقاضى مرتبات أفرادها من التحالف العربي الذي تقوده المملكة..
فمن هم قادة تلك المليشيات أمام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وجراءته وجرأته على اتخاذ القرار.. والتعامل مع قيادة هذه المليشيات بصورة توحي «رائحة التبني « من قبل الأشقاء هي مرفوضة لنا يمنياً كدولة وهو ما كان ويجب أن يعلن عنه الرئيس وكل مؤسسات الدولة..
ولنأتي في محصلة أزمتنا ومشكلتنا والعائق الذي يقف جداراً مانعاً لعودة الدولة ومؤسساتها الدستورية وبسط سيطرتها، هي تلك المليشيات التي أنشأتها وترعرعت في كنف التحالف, أو لنقل في كنف طرف من أطراف التحالف..
وهنا أصبح لزاماً على الرئيس كمسؤول وفقاً للدستور اليمني ووفقاً لمخرجات الحوار الوطني ووفقاً لقرارات مجلس الأمن ووفقاً لأهداف التحالف العربي، أن يرفض ويندد بقوة ، قيام طرف في التحالف بإنشاء تلك المليشيات وغض طرف آخر في التحالف عنها..
استقرار اليمن من أقصى المهرة حتى آخر ذرة تراب في محافظة صعدة، تقتضي إنهاء كل أشكال المليشيات المسلحة.. سواء تلك التي تدعمها إيران أو تلك التي تدعمها الإمارات ..
ليكن أمر تعزيز وجود الدولة اليمنية القوية بجميع مؤسساتها الدستورية ، هو ما يجب أن تدعمه الشقيقة «السعودية» وأن يتعامل الأشقاء مع اليمن الموحد القوي باعتباره آخر التحصينات الدفاعية لأمنها القومي واستقرارها. أما بالنسبة لنا نحن اليمانيون, يمثل لنا وجود الدولة القوية والحفاظ على وحدتها وإنهاء كل مظاهر المليشيات, مسألة حياة أو موت .. والعاقبة للمتقين