كرم الله الإنسان بالعقل, وميزه بالتفكير, و فارق استخدام العقل , اوجد فروق فردية وجماعية , وشتان بين عقل مأسور للغرائز والنعرات و مؤثرات عاطفية , و عقل مستقل و متحرر من كل ذلك .
وشتان بين رعاع يسيرون خلف مسار ودعوات بمؤثرات العواطف والغرائز الحيوانية لدى الانسان , بعقول اسيرة لتلك الغرائز , وبين حر يسير وفق قناعات تفكير ايجابي للعقل بدرجة عميقة من الكفاءة , ليظل في حراك تساؤلي دائب , يتحلى بالنزاهة , والنزاهة تحتاج لمعرفة الحقائق , بحساسية البحث في تفاصيل الأحداث والمفردات الضئيلة التي لا يكترث لها رعاع القوم , العقل دائما يطرح ألف سؤال وسؤال ليتجاوز القشور ويتعمق في لب الحدث و ينفذ لجوهر العلة , ليبني اختيار وموقف حق وعادل .
الواقع البائس الذي نحن فيه , هو نتاج تسلط النعرة على الفكرة , نعرات ايدلوجية طائفية ومناطقية ,على فكرة الدولة , والعدالة الانتقالية لترسيخ عدالة اجتماعية ,تفوق الغرائز والنعرات , على القيم والأخلاقيات , تفوق الحيوان فينا على انسانيتنا , تفوق امات الضمير لدى الكثير , تفوق شل من قدرتنا على التفكير وغيب العقل, والبحث في الاسئلة المحورية لجذور القضية .
نهاية هذا المسار هو الخذلان , خذلان الناس في تطلعاتهم وأحلامهم , لأننا تجاوزنا فكرة المأساة لنتنفس نعرات من الشعارات والهتافات والأوهام , يتخللها كم هائل من التخوين والتكفير , بفتاوى سياسية وفكرية ودينية ,بل بإرهاب فكري وثقافي ,وتبرير للانتهاكات والاغتيالات والجرائم .غرق البعض في النعرات , ولم يعد يرى بوضوح المشهد , يبني مواقفه واختياراته وفق نعرات, وفق انتماء ضيق , و زاوية ضيقة الأفق , يتجنب اسئلة العقل والمنطق , تجنب البحث عن الحقيقة , والهيام في وهم السيطرة والتمكين .التمكين بوسيلة العنف , و واقع العنف رديء برداءة حالنا اليوم , بتربع النفاق والمصالح والاسوأ للمنصة , الاحتكام لأدنى مستوى ثقافي وفكري , بمنتج خطاب مشبع بالكراهية والعنصرية والغلو والتعصب , وتصفيق للفتاوى دينية وسياسية واتهامات وتخوين وتكفير و اجتثاث الاخر , ومن خالف فقد كفر , بروح الانتقام والثأر والدعوات الضيقة مناطقية وطائفية وايدلوجية , فكل شيء تشكل على ذلك النحو , تشكيلات سياسية وعسكرية, مع لزوم المغالطة بتطعيم من يقبل ان يؤدي دور مدفوع الثمن , ثمن جعل من النضال وظيفة مرتهنة لأجندات , والجهاد مصدر ثراء وتكسب , والقضية مرتع للمزايدة السياسية .
فخ المزايدة , يعمل على التعطيل , لاستمرار الفائدة , دون مراعاة بالتكلفة الباهظة التي يدفعها البسطاء و المتطلعون لوطن ودولة , مزايدة عملت على هشاشة النسيج الاجتماعي , وتشرذم القوى السياسية والاجتماعية , وخلق حالة من التناحر في جبهات تمزق الجغرافيا , وتخلق انقسامات حادة , وتقزم العناوين السياسية لتفاهات, تفاهات تفوق الانتهاكات ومبررات العنف والقتل والاغتيالات والاتهام , في تغييب واضح للعدالة , وخرق للنظام والقوانين والقيم والأخلاقيات .
نحن اليوم ضحايا مزايدة سياسية لقضايانا و واوجاعنا وتطلعاتنا , تنتج بؤس واسى , وتغرق الجميع في وحل من الصراعات , وخلق قطيع من الرعاع لا يتساءل , ومن يتساءل اليوم بحرقة , ليصل لحقيقة ما يحدث , يجد نفسه في مواجهة تيار لا يرحم ولا يترك رحمة الله تعم , الاسئلة تضعك في موضع اتهام وتخوين وتكفير , بعقلية مرفوضة تدير المشهد البائس اليوم .
نحتاج إجابات بمنطق وعقل , عن أسئلة كثيرة , لماذا تفكك الصف؟ , وتشرذم اللحمة ؟,و تتأكل القضية ؟ , وتنقلب موازين النضال ؟ وتصنع تكتلات مصالح انية , فيها يتحالف الضحية مع جلاده ؟, ولماذا يتقاتل رفاق الدرب في عمق الوطن ؟, ولماذا كفر البعض بالقضية ؟ واعتبر الثورة خطيئة والأحزاب السياسية شياطين ؟ , والديمقراطية تهاون وجريمة ؟.
لماذا تستحوذ وتستأثر فئة قليلة من المفلسين على مصدر القرار والاختيار ؟,لها ثأر ,تؤجج الخصومة وتعمق الجراح , وتنقلنا من حرب لحروب عبثية وقودها منا فينا ,واتهامات وتخوين وتكفير دون دلائل ولا براهين .لماذا ترفض التكتلات الفكرية والثقافية ؟ ,ويتاح مجال للعصبية والنعرات المريضة , لفرض العنف كسيد للمشهد , والتطرف واقع , والبندقية أداة حسم , والعنجهية سلوك نضالي ,والشعار خاوي من القيمة والمبدأ , والراية وسيلة للعبث , والمجرم يتحدى العدالة , والله المستعان يا رفاق .