كنت أعتقد أن جذور الحملات الإعلامية المنظمة على المسلمين قد ترافقت مع بداية الحروب الصليبية على المسلمين ( 1194- 1495م ) ولكن خلال قراءتي لكتاب ( العلمانيون والإسلام) للأستاذ محمد قطب رحمه الله اتضح أن للأستاذ قطب الرأي الصواب حيث يقول :
لقد تحول الدين النصراني على يد الكنيسة وآبائها ومفكريها إلى أغلال تفسد الحياة وتقعد بها عن النمو السوي وتحارب العلم والعقل والتفكير وليس العجب أن تنفر أوربا من ذلك الدين المحرف المشوه وتتمرد عليه انما كان العجب أنها صبرت عليه كل تلك القرون التي صارت - فيما بعد تمردها - تسميها " القرون الوسطى المظلمة ".
ولكن الواقع التاريخي يقول إنها لم تبدأ تمردها على ذلك الدين المحرف إلا بعد احتكاكها بالمسلمين وبصفة خاصة بعد هزيمتها في الحروب الصليبية..
ويضيف الأستاذ قطب " عندئذ بدأت أوربا تحس بمقدار الظلام الذي عاشت فيه كل تلك القرون، وبدأت تتوق للخلاص الحقيقي. من أوهام الكنيسة وطغيانها وبدأت تهفو إلى الإسلام بتأثير " الغزو الفكري للمسلمين " الوافد إلى أوربا من الشرق والغرب والجنوب، مع حركة الترجمة بصفة خاصة..
وهنا جن جنون الكنيسة وقامت تحارب التأثير الإسلامي بكل الوسائل، وكان من بين تلك الوسائل، وكان من بين تلك الوسائل تكليف الكنيسة لكتابها ومفكريها أن يشوهوا صورة الإسلام والمسلمين في عيون الأوربيين لينفروهم من الدخول في الإسلام وليبعدوهم من التحرر من ربقة طغيان الكنيسة والاقطاع ولذا قام هؤلاء من الكتاب والمفكرين بتوجيه أقبح الشتائم للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ونفي الرسالة والوحي عنه وتصويره - في أحسن الأحوال- على أنه مصلح اجتماعي وتصوير الإسلام بأنه دين شهواني فظ غليظ عدواني سفاك للدماء.. كما كان من بين تلك الوسائل محاكم التفتيش.!
ويضيف الأستاذ قطب " وحينئذ إذ وقعت أوربا في المأزق الذي تعاني اثاره حتى اليوم، حين نفرت من دينها المحرف ومن الحكومة الثيوقراطية وأوصد الباب أمامها في الوقت ذاته إلى الدين الصحيح. أنتهى حديث الأستاذ قطب.
ومن هنا ندرك أن جذر الحملات الإعلامية الموجهة ضد الإسلام والمسلمين هي تلك الجهود الموجهة والممولة من الكنيسة الأوربية وللأسف تشرب البعض من المحسوبين على النخبة العربية مؤلفات الكتاب والمفكرين والمستشرقين الأوربيين الذين تأثروا وتشربوا تلك الأدبيات والمؤلفات التي كانت نتاج تلك الحملات الموجهة ضد الإسلام والمسلمين ولذا تراهم يسقطون التجربة الدينية الأوربية على الإسلام بكل ما يتضمن هذا الإسقاط من مغالطات وتجاهل للواقع الاسلامي المناقض للتجربة الأوربية حيث كان إبعاد المحرف المشوه عن الهيمنة على واقع الحياة ضرورة حياتية بينما الإسلام حفظه الله من التحريف والتشويه وتضمن مبادئ النهوض الحضاري والدعوة للعلم وإعمال العقل والتفكير ومثل دعوة للحرية ورفض الطغيان والاستبداد بكل صوره وأشكاله.
لقد تمكنت عقدة النقص من كثير من المحسوبين على النخبة العربية الذين يرون أنهم لن يصبحوا رموزا فكرية وثقافية حتى يقرأوا مؤلفات الكتاب والمفكرين والأدباء الأوربيين والغربيين عموما وحينها تتسلل إليهم المفاهيم العلمانية وتترسخ في لا وعيهم وتظهر في كتاباتهم ومواقفهم من الإسلام والقوى الإسلامية ربما باستثناء قلة ممن امتلكوا قاعدة ثقافية إسلامية راسخة بحيث يقرأون الآخر قراءة ناقدة مدركة لمضامين فكره ونصوص إبداعه.
وقد أعجبتني مقولة هامة لأحدهم يقول " العلماني الأوروبي أعتنق العلمانية بسبب تسلط الكنيسة ومحاربتها للمنهج العلمي ومخالفة نصوص الكتاب المقدس لحقائق العلم، والعلماني العربي أعتنق العلمانية لأن العلماني الأوروبي أعتنق العلمانية بسبب تسلط الكنيسة ومحاربتها للمنهج العلمي ومخالفة نصوص الكتاب المقدس لحقائق العلم. !!!