اذا كان حال البعض من قصيري النظر في اليمن الذي تكالب عليه الأخوة الأعداء " ما بدا بدينا عليه " فنحن نقرأ ما بين السطور ونستشرف المستقبل ونرى بعيون زرقاء اليمامة، ننظر على المدى البعيد فنرى الأشجار تزحف وتحتها الرجال شاكي السلاح مثلما تحت الرماد نارا تلظى، واذا كان البعض ممن يعيشون وفق شعار " إذا هبت رياحك فاغتنمها " يرون بأن الرياح قد هبت بما تشتهي سفنهم فقد تناسوا سنة الله في خلقه والتي تقول بأن الأيام دول قال تعالى : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " وأنه مثلما يعيشون في الأيام التي لهم وفي دولتهم فإن الأيام التي عليهم ستأتي حتما مقضيا فالدنيا لا تدوم لأحد مهما بلغت قوته ومهما ساعدته الظروف وخدمته المستجدات والمتغيرات .
في اليمن مرت دورة عنف وانتقام وستتبعها دورات عنف وانتقام ذلك أن نار الحرب التي أشعلوها لم تنطفئ وفي كل قلب جرح وفي كل بيت حزن، وإذا كان البعض ممن تراكمت الأحقاد في قلوبهم نصف قرن وقالوا: لقد اغتصبوا حقنا وهذا وقت سداد الدين وتصفية الحساب ليعود الحق لأهله قد تناسوا سنة الله في التداول كما قلنا سابقا فدعونا نذكرهم بأن العرب لا تموت الا متوافيه وأنه كما تدين تدان والجزاء من جنس العمل وطالما قد ثقل الحساب وفتحت الدفاتر فسيأتي وقت الدفع في الغد القريب وربما يكون في الصبح أليس الصبح بقريب؟!
فأين سيذهبون؟!
لقد كان قدر أبناء اليمن أن يرمموا منزلهم في موسم الزلازل فبعد سنوات في النفق المظلم ظنوا أن ورد ربيع ثورتهم قد أزهر وأن نضالهم قد أثمر لكن أصحاب المشاريع الصغيرة أدوات الخارج وقوى الارتزاق الانتهازية قد أحالت ربيع ثورتهم شتاء قاحلا فدخلوا بابا لا يعلم أكثرهم إلى أين سيوصلهم؟!
كما قال الشاعر البردوني:
" دخلت صنعاء بابا ثانيا
ليتها تدري إلى أين انفتح "
واذا كانوا يجمعون على أن اليمن لن تستقر الا بدولة للجميع فهذه الدولة ما تزال حلما بعيد المنال وربما تقوم بعد عدة أجيال فنحن في بداية دورات عنف وانتقام وربما تسيل انهارا من الدماء ونرى جبالا من الجثث فالقوم لا يرون سوى أنفسهم وما تحت أقدامهم ويظنون أن ما حدث هو نهاية الأمر وخاتمة المطاف وأن الحق قد عاد لأهله ولآل البيت - الذي اتسع لكثير من المدعين - كل شي دون سائر الناس وما غيرهم خدم لهم وعليهم أن يحمدوا الله على أنهم خدم لكل من امتشق سيف المعز ونثر ذهبه ولم يدرك آل البيت أن البيت اليمني الكبير لم يعد مغلقا كما كان وأن نوافذه قد انفتحت وهبت رياحا بعثرت الأوراق وغيرت مفاهيم الناس وجعلتهم يطلون من النوافذ على العالم وما فيه وأننا في زمن من الصعب أن تغلق على الناس النوافذ وتحجب عنهم الضوء وتقنعهم بالخرافات وتمنع عنهم الحقيقة وأن تسير عكس التيار وتعيد عقارب الساعة للوراء .!
الآن في اليمن كل يحتفل بثورته، في صنعاء يحتفلون بثورتين، ثورة 26 سبتمبر التي لم يبق منها سوى الأطلال وثورة 21 سبتمبر التي أوصلت الال إلى هذا المآل، والبعض أسرى في فنادق الجارة الكوبري ويحتفلون بالثورة الأم والبعض يبيعون وطنهم ويسلمون سيادته لأعدائه ويحتفلون بالثورة وكل يحتفل وكل يغني على ليلاه والمواطن والوطن في وادي آخر.!
والمواطن اليمني كان يحتفل إن حصل شهريا من المنظمة الخيرية على كيس دقيق وقطمة أرز وجالون زيت وعلبة عدس والآن لم يعد هذا ممكنا وبات شبح المجاعة قاب قوسين أو أدنى من 20 مليونا والبعض يحتفل وكأن شيئا لم يكن وسعر الدولار الواحد في مناطق الشرعية يقترب من ألف ريال يمني والشرعية تحتفل وكأن شيئا لم يكن.!!
والمواطن اليمني لم يعد الإحتفال في قاموس حياته ولم تعد الفرحة تعرف الطريق إلى قلبه بينما تجار الحروب في كل جانب يحتفلون كلما اشتروا عمارة جديدة وكلما افتتحوا مشروع جديد، يحتفلون ويهاجمون خصومهم " العملاء المرتزقة " أما هم فهم الوطنيون الشرفاء المناضلون الذين قدموا لوطنهم كل شي ووو الخ .
نحن في اليمن في زمن المشاريع الصغيرة وفي خضم دورة عنف وانتقام ستتبعها دورات عنف وانتقام وبأسماء ثورية وعناوين وطنية أما الوطن فهو ضحية المستعمر الغازي والمستعمر الوطني الذين تعاونوا وراء الكواليس وتحاربوا أمام الجمهور الذي لم يدرك أكثره أن ما يعيشه مسرحية طويلة وعبثية ودرامية وأنه هو الوحيد الصادق فيها والذي يعيش فيها الواقع ولا يمثل.