قرأت ما نشره بالأمس الاستاذ عادل الأحمدي عن " المثقف الوطني والدور المنشود " وهو خلاصة ورقة قدمها لندوة " الملتقى الثقافي اليمني في ماليزيا " وقد قدم تعريفات للمثقف اليمني بأنه صاحب الفكرة من يعرف تأريخ اليمن ويقدر رموزه ولا يتهاون مع السياسي ولا تغريه الأموال ولا يمتلكها ومن يعرف البعد العربي للإنسان اليمني والعكس وصاحب المبدأ الذي لا تنطلي عليه الشائعات ولا ينجر للخلافات، من ينتقد ويحذر ويدعو للأمل ويحارب اليأس والاحباط ويدرك قيمة نفسه ويكون قدوة وينصف الوطنيين ويعيد الاعتبار للمرأة والفتاة ويقرأ الكتب ولا تخدعه دعايات شاشات التلفاز، من يتأمل دورات الزمن وينحاز للمحرومين والفقراء يستشعر المسؤولية ويقدر الجمال والإبداع، نبيه، راسخ، عالمي الروح، يعتز بشعبه وحضارته، لا تغريه الماديات والمناصب والرواتب والجوائز.
ما كتبه الأستاذ عادل لا خلاف عليه ولكنه لم يقل لنا أين المثقف الوطني اليمني في الأحداث التي شهدتها اليمن خلال العشر السنوات الأخيرة وهي أحداث وتحولات كبيرة تمت صناعتها في الدهاليز المظلمة وفي الغرف المغلقة لساسة الدول الكبرى والدول الإقليمية واكتفى ساسة اليمن بتسليم سلطة بلدهم للسفراء الأجانب والمنظمات ووسعت المليشيا رقعة سيطرتها بقوة السلاح بينما فرضها السفراء الأجانب كطرف سياسي يفاوض على مستقبل اليمن في مؤتمر الحوار وزحفت على صنعاء وحدث كل ما حدث منذ أحداث 2011 إلى اليوم والمثقف اليمني غائب عن القيام بدوره الإيجابي إلى اليوم .
كان السفير الأمريكي وجمال بنعمر والسفيرة البريطانية وبمشاركة السفير السعودي والإماراتي يديرون أمور اليمن والمثقف اليمني ذاهل عما يحدث ويعتقد أنه من خلال مؤتمر الحوار سينتقل اليمن إلى مصاف الدول المتقدمة وسيقدم هذا المؤتمر الذي اقترحه السفير الامريكي حلولا لمشاكل اليمن وأن هذه الحلول ستجد طريقها للتطبيق وهي سذاجة وغفلة من المثقفين والسياسيين الذين جعلوا مشكلتهم مع دستور اليمن فقط بينما لم يدركون أن ذلك المؤتمر كان مجرد مسرحية يشغلون من خلالها النخبة اليمنية ويشرعنون للمليشيا الحوثية ويقدمونها للقوى السياسية والإقليمية كطرف سياسي له رؤى ومواقف حول حاضر اليمن ومستقبله .!!
.. ودعونا نضرب مثلا واحد لنؤكد مدى الغيبوبة والسلبية التي عاشها المثقف اليمني في تلك الفترة وهو عندما انتقد الدكتور منصور الزنداني من تحت قبة البرلمان ممارسات السفير الأمريكي وبنعمر واعتداءاتهم على السيادة اليمنية وتبرأ منه حزبه ببيان رسمي كم تفاعل معه مثقفون؟!
كم صدرت بيانات تأييد لما فعل؟
كم وجدت وقفات احتجاجية من أكاديميين وبرلمانيين تتضامن معه؟!
كم قرأنا مقالات تؤيد ما فعله؟!
لقد كان جمال بنعمر يقوم بدور سمسار دولي لبيع اليمن وتمكين المليشيا ولم ينتقده بعض المثقفين الا بعد خراب مالطا وبعد أن وقع الفأس في الرأس.!
لو كنا في بلد فيه مثقفون فاعلون منحازون لوطنهم لخرجوا بالآلاف احتجاجا على سرقة ثورتهم من قبل ساسة بلا ضمير لرأينا ثورة عارمة احتجاجا على وضع اليمن تحت البند السابع وفي الوصاية الدولية لرأينا تظاهرات مليونيه احتجاجا على تهجير سكان دماج ودعم الجيش للمليشيا وادعاءه الحياد وهو يرى تساقط المدن والمناطق منطقة تلو الأخرى بينما النخبة تروج بأن المقصود من كل ما يحدث هو قبيلة حاشد وآل الشيخ الأحمر والفرقة الأولى مدرع وجامعة الإيمان وحزب الإصلاح باعتبارها قوى تقليدية تعيق التقدم والتنمية التي ننعم بها الآن وكأن هذه القوى والمؤسسات كانت مؤسسات متمردة تمثل مشكلة ولا حل أمامها الا استئصالها عسكريا وقتل أفرادها على أيدي مليشيا مسلحة قادمة من كهوف قرون ما قبل التأريخ ؟!!
هل هذا منطق مثقف وطني يبيح مناطق بلاده وعاصمتها لمليشيا مسلحة ويبيح دم من يختلف معه ويروج لاستئصاله وقتله وابادته لمجرد خلاف فكري أو سياسي؟!!
للأسف الكثير من مثقفي اليمن هم نكبة على اليمن وقفوا بمقالاتهم ومنشوراتهم ومداخلاتهم ومواقفهم مع المليشيا ضد بلدهم ومجتمعهم وساندوها وروجوا لها باعتبارها ثورة تحررية ثم عندما صاروا من ضحاياها عادوا يجعرون ويصرخون بعد أن قطعت رواتبهم ومخصصاتهم أو وصلهم نار المليشيا وذاقوا بعض لسعات كرباجها..
علماء اليمن هم جزء من المثقفين وقد كان لهم موقف ايجابي في كافة الأحداث والتحولات وانحازوا للشعب اليمني وهويته ومصالحه وانحازوا للدولة والأمن والاستقرار وكانوا يقدمون مبادرات وبيانات وملاحظات وينتقدون ويوضحون وطالبوا مرارا وتكرارا بالذهاب لانتخابات برلمانية ورئاسية ومن يختاره الشعب يحكم وطالبوا الدولة بتحمل مسؤولياتها والقيام بواجبها ولكن لم يستمع إليهم أحد من السلطة التي تأمرت عليهم واستهدفتهم وكانت مجرد أداة للقوى الدولية والإقليمية لهدم وتخريب اليمن.
لو كان هناك استجابة وحقيقية وتفاعل إيجابي مع مبادرات العلماء لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه ولكن دعونا نعود للمثقف اليمني وندع العلماء لله ثم للتاريخ ولا يعني هذا أنهم قاموا بكل واجبهم بل كان هناك تقصير ولكن لو كان هناك انصاف لكان موقفهم متقدما على مواقف المثقفين التقليديين بمراحل.
نتساءل: أين هي جهود مثقفون كبار مثل المقالح والرويشان ونعمان والاصبحي وغيرهم؟!
ألم يكتفوا بالكتابة من ابراجهم العاجية دون أن يقدموا مبادرة واحدة لحلحلة الأوضاع السياسية أو تقريب وجهات النظر؟!
لقد تحدث الأستاذ عادل الأحمدي وكأنه يعرف لنا المثقف دون أن يقول لنا أين هو المثقف اليمني من كل ما يحدث؟!
أين موقف المثقفون من هذه الحرب وتداعياتها وهذه المليشيا الحوثية بكل كوارثها وهذه الشرعية الرخوة بكل حقارتها وسلبيتها والتي صارت مسلوبة الإرادة لا تقدم شيئا سوى شرعنة المليشيا وشرعنة التدخل الخارجي؟!!
أين المثقف اليمني من اغلاق الموانئ والمطارات واحتلال الجزر والسواحل وغيرها مما يمس السيادة ولا خلاف عليه؟!
أين المثقف اليمني مما يحدث لسقطرى من احتلال ممنهج وتحويل هذا الأرخبيل لقاعدة إماراتية إسرائيلية ومركزا للتجسس على اليمن والمنطقة؟!
أين المثقف اليمني من جرائم المليشيا في الشمال والجنوب وهذه الاعتقالات التعسفية وهذا النهب والافقار الممنهج وتدمير العملة الوطنية وتخريب الاقتصاد الوطني؟!
أين مواقف المثقف اليمني المنظمة وبيانات المثقفين حول الأحداث وكتاباتهم ومسيراتهم ووقفاتهم الاحتجاجية؟!
أين وأين ومتى سيتحرك المثقف اليمني ويقول لدينا أزمة قيادة وهذه القيادة إجرامية وتلك ايضا إجرامية وكلهم مجرمون بحق هذا الوطن وكلهم فاسدون وقتلة وكلهم أدوات للعدوان على الشعب اليمني ومقدراته وبنيته التحتية وكلهم لا شرعية لهم ويجب مواجهتهم بشتى السبل الوسائل؟!
متى سنرى ألف مثقف وأكاديمي وإعلامي يوقعون عريضة كهذه يقولون فيها لقيادة الشرعية والانتقالي والحوثي ويقولون لدول التحالف ولأمريكا وبريطانيا وإيران كلكم مجرمون بحق هذا الشعب وكلهم عدوان ممنهج ومنظم ضد هذا البلد ولابد من ايقافكم؟!
متى سنراهم يحملون الشموع في لسل الوطن ويخرجون للشوارع وينظمون المسيرات والوقفات والحملات الفاعلة؟!
اما الحديث والتنظير والكلام الإنشائي فهذا سهل ويسير ولكن المواقف الوطنية هي المحك وتنظيم المثقفون في كيان واحد وفاعل وتوحيد جهودهم لما فيه مصلحة الوطن هو الأصعب لتفرقهم شلل وجماعات تبعا للأحزاب والدول والمليشيا والجهات والمنظمات الداعمة والممولة. للأسف..
فهل سيغادر المثقف اليمني مربعات السلبية والتغييب والتقوقع والعصبية للحزب والجماعة والمنظمة والوظيفة وينحاز لوطنه ويقدم مواقف فاعلة وموحدة توثر بشكل ايجابي في الواقع اليمني؟!
نتمنى ذلك.